النقد الأدبيثقافات

قراءة نفدية لقصيدة ” أنت قلبي ” للشاعرة أحلام الحسن

ارتباط الحالة الشاعرية في المعارضات النصَّية
قراءة نفدية لقصيدة ” أنت قلبي ” للشاعرة أحلام الحسن
بقلم / سيد فاروق
**********************************

توطئة:
****

يعد التأثير الوجداني من أهم العوامل التي تؤثر في شعور الكاتب وتستحضر ذاقته ليستلهم من نص شعري تراثي أو معاصر ما يعبر عن وجدان الشاعر بشكل أو بآخر على أن الشاعر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحالة الشاعرية والفكرة والمضمون لنصٍ سابقٍ فيتأثر به ويدفعه دفعًا ليكتب نصًّا موازٍ لهذا النص يتماهى معه ويرتبط به وجدانيًّا ونفسيًّا ويستلهم منه ما وافق إحساسه وأثر في ذاته، على أنَّ المعارضة في الشعر تأتي في إطار نظم شاعر قصيدة يحاكي فيها قصيدة شاعر آخر مستعملًا نفس البحر ونفس القافية وذلك لإعجابه وتأثره بها، مع حرصه على أن يفوق نظمه القصيدة النموذج براعةً وجمالًا لما لامست لديه من إحساسٍ جعله يعايش الأجواء النفسية والوجدانية للقصيدة الأصلية .

نقوم في هذه المقالة بدراسة قصيدة أحلام الحسن ” أنت قلبي ” والتي عارضت فيها قصيدة ” لست قلبي” للشاعر كامل الشناوي ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب وغناها العندليب عبد الحليم حافظ رحمهم الله تعالى.

نحاول من خلال هذه القراءة أن نثبت أن المعارضة ليست تقليدًا أعمى وأنها لا تتنافى مع الإبداع إذا أتبع الشاعر الأطر المحدده والأنماط الفنية التي تحكم عملية المعارضة فلم يخفق، كما نحاول أن نبرز الأبعاد الأدبية والثقافية والنفسية لهذا الفن من خلال العناصر التالية:

1- المواقع الاستراتيجية على خارطة النص
2- الأنماط الفنية في المعارضات الشعرية
3- شاعرية التناص في المعارضات الشعرية
4- الاستخلاصات والنتائج :

المواقع الاستراتيجية على خارطة النص:
**********************

باعتبار النص مملكة الكاتب وساحته الإبداعية، فإنَّ المواقع الاستراتيجية على خارطة النص الأدبي الإبداعي باختلاف الأجناس الأدبية هي
تلك الأماكن التي تحتل مكانة مهمة وموقعًا متميزًا في النص الإبداعي، التي تسهم بشكل كبير في تفسير النص وتأويله وإضاءة ما به من عتمات وإظهار ما به من مواضع الإشراق، أي أنها مواقع استراتيجية مهمة ترتبط بالنص ارتباطًا وثيقًا، هذا الارتباط يحكمه علاقة تفاعلية تكاملية تفسيرية بين تلك المواقع والنص الإبداعي الأصلي. (1 )

وحينما نتحدث عن المواقع الإستراتيجية في نص شعري فإننا نعني بذلك خطاب العنوان باعتباره أقصى اقتصاد لغوي في النص الأدبي، وتثير لحظة تلقيه انفعالًا ما مع المضمون النصي، إذ تشكل تلك اللحظة إغواء للمتلقي بضرورة الولوج إلى داخل النص وكشف مدى ارتباط العنوان بمكوناته سواء أكان نثرًا أو شعراً.

وعلى لك فالعنوان مهما تعددت تحديداته فهو ” ضرورة كتابية ” (2 )، أو (بؤرة النص) (3 )، أو ” مفتاح دلالي ” (4 )، أو ” لامة لسانية ” (5 )، تختزن مكونات النص وتحرك المتلقي باتجاه تحفيزه في دخول تلك المكونات مع دلالاتها بوصفه ” بنية صغرى لا تعمل باستقلال تام عن البنية الكبرى التي تحتها، فالعنوان بهذه الكينونة – بنية افتقار يغتني بما يتصل به من قصة، رواية، قصيدة، ويؤلف معها وحدة سردية على المستوى الدلالي ” (6 )، ويفترق عنها بوصفه ” مرسلة مستقلة مثلها مثل العمل الذي يعنونه ودون أدنى فارق بل ربما كان العنوان اشد شعرية وجمالية من عمله في بعض الإبداعات التي يتوقف اكتشاف المدخل النقدي إليها على بناء نصية العنوان أولا وقبل أي شيء آخر ” (7 ).

وارتكازًا على ما سبق نقول:
****************
لقد أطلق الشاعر كامل الشناوى عنوانا لقصيدته ” لست قلبي ” وهو بذلك ينفي ملكيته لهذا القلب لما عاناه من وجدٍ وألمٍ منه فأعلن التبرأ منه والعصيان عليه واستبعد كل أشكال ارتباطه لهذا القلب، في حين عارضت الشاعرة أحلام الحسن خطاب العنوان فأطلقت عنوانًا لقصيدتها ” أنت قلبي ” وهي بذلك تثبت ملكتيها الكاملة لقلبها في صيغة رجاء واستعطاف فقد قابلة المعنى الأصلى بتضاد ظاهر لكنه يتماها ويتفق معه ضمنًا وهنا قد يتساءل البعض كيف يتفق التضاد في المعنى مع المضمون ؟

والأجابة هي أنه في كلا الحالتين بين التبرأ والعصيان في خطاب العنوان لكامل الشناوي وبين الرجاء والاستعطاف في خطاب العنوان لأحلام الحسن يتفق المضمون في لوم القلب وألمه لصاحبه ” لست قلبي ” لأنك تألمني ، و ” أنت قلبي ” فلمَا تألمني وهنا اتكأت أحلام الحسن على التضاد لتتفق مع الحاله الوجدانية والمضمون للقصيدة التي أثرت فيها.

ورغم أن خطاب العنوان في كلا القصيدتين يتسم بالتقريرية والمباشرة وعدم الغموض والمراوغة إلا أنه يحمل حالة من حالات الوجد التي تستثير حافظة المتلقي في أولى المواجهات مع النص للوقوف على هذه الحاله ومعرفة ماهيتها والأسباب التي أدت إليها الأمر الذي يأخذ بيد القارئ للمضي قُدمًا في سبر أغوار النص الإبداعي .

الأنماط الفنية في المعارضات الشعرية:
*******************

ونقصد بالأنماط الفنية هنا وحدة البحر والقافية في نصوص المعارضات الشعرية؛
حيث أنه من الملاحظ للوهلة الأولى أنَّ البناء الفني للقصيدتين على تفعيلة بحر الخفيف فاعلاتن مستفعلن وقد أشترط أحمد الشايب وحده البحر والقافية ولم يشترط أن يكون المتعارضان متعاصرين فيما ذكر عن المعارضة في الشعر أن يقول شاعر قصيدة في موضوع ما من أي بحر وقافية فيأتي شاعر آخر فيعجب بهذه القصيدة لجانبها الفني وصياغتها الممتازة، فيقول قصيدة من بحر الأولى وقافيتها، وفي موضوعها أو مع انحراف عنه يسير أو كثير، حريصًا على ما يتعلق بالأول في درجته الفنية أو يفوقه فيها دون أن يـعرِض لهجائه أو سبِّه، ودون أن يكون فخره علانية؛ فيأتي بمعان أو صور بإزاء الأولى تبلغها في الجمال الفني أو تسمو عليها بالعمق أو حسن التعليل، أو جمال التمثيل، أو فتح آفاق جديدة في باب المعارضة. (8 )

أنَّ اقتباس مفردة تكوّن قافية بيت من أبيات القصيدة النموذج يكتسي أهمية قصوى وذلك نظراً للدور الذي تلعبه القافية في القصيدة وكذلك لدورها في نظم البيت وصياغة معانيه عند الشعراء. ولقد أشار إلى ذلك الباحث جمال الدين بن الشيخ في كتابه «الشعرية العربية» في الباب الذي خصه للقافية( 9)

فيما ذكر ابن طباطبا وصفه لعملية النظم، والتي يقول فيها إن الشاعر يُعْمِل «فكره في شُغْلِ القوافي بما تقتضيه من المعاني» (10 ) وهنا تبين بوضوح أهمية الدور الذي تلعبه القافية في هذه العملية.

الأمر الذي يعني أن اقتباس أحلام الحسن لقواف من قصيدة كامل الشناوي له أثر بالغ على معاني قصيدتها فوراء كل كلمة من الكلمات التي تكون القوافي المستعارة معنىً أو مضمونًا أو موضوعًا لابد لأحلام الحسن أن تتعامل معه في قصيدتها بشكل أو بآخر.

ومن الملاحظ في بداية قصيدة أحلام الحسن ” أنت قلبي ” تغير القافية لتغير المُخَاطب هذا لأن كامل الشناوي في مستهل قصيدته وبداية الصراع بينه وبين قلبه يسأله عن محبوبته قالخطاب للقلب عن الحبيبة في قصيدة ” لست قلبي ” ولذا انتهت الأسطر الشعرية بالقافية الثلاثية الباء والهاء المضافة بالألف ” تحبها – حبها – قلبها ” .

في حين ذهبت أحلام الحسن إلى تغير القافيه في بداية قصيدتها لتناسب تغير خطابها للقلب ليكون عن الحبيب فهي عايشت حالة القصيدة وجوَّها النفسي العام واسقطتها على الذات الكاتبة لها فتغير الخطاب تلقائيًّا وتبعته القافية فانتهت الأسطر الشعرية بالقافية الثنائية الباء والهاء المرفوعة المشبعة بالضم ” تُحبّهُ – لهيبُهُ – تُصيبُهُ “

فيما اتفقت أحلام الحسن مع باقي قوافي القصيدة النموذج – السابقة – لكامل الشناوي فجاءت مطابقة لها وفي بعض المواضع تحمل نفس لفظ القصيدة الأصلية وهي الألفاظ التي استلهمتها الشاعرة متأثرة بها كما في الكلمات ” الضّلوعْ – الدّموعْ – ضميرْ – المصيرْ – الحياهْ ” غير أنَّ أحلام الحسن أستعملت بعض الكلمات الأخرى التي أتفقت قافيتها مع قافية القصيدة النوذج لكنها أختلقت من حيث المعنى أي لم يطابق لفظها للألفاظ الواردة في قصيدة كامل الشناوي.

على أننا يجب أنْ نضع نصب أعيننا أنَّ اقتباس القوافي ليس مجرد اقتباس لمفردات منعزلة؛ فوضعية هذه الكلمات الخاصة ووظيفتها وكذلك دورها في النظم والبناء المعماري للقصيدة تجعلها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمعان وأفكار أو مضامين أو نغم موسيقي، ولكن هذا لا يعني بأنَّ الشاعر المبدع للقصيدة اللاحقة مقيَّد وأنَّ عليه أنْ يلتزم باقتباس القافية والسياق الذي ترد فيه معًا، فعمليًا له خياران: إمَّا أن يقتبس القافية والمعاني المرتبطة بها ويأتي بهما في نفس السياق الذي يتضمنهما في القصيدة النموذج؛ وإما أن يكتفي باقتباس القافية ودمجها في سياق مخالف، وغالبًا ما يرافق تغيير السياق تغيير في المعنى، مع الحفاظ على الإيقاع والنغم الشعري نتيجة وحدة القوافي ووحدة التفعيلة وكذا تعطي القصيدة اللاحقة نسق مدلول يتصل بالشكل والمضمون العام للقصيدة النموذج .

شاعرية التناص في المعارضات الشعرية :
*************************

تقوم المعارضات الشعرية أساسًا على الاستلهام فالمعارضات الشعرية من المواضيع التي واكبت الأدب العربي بجميع عصوره وسايرته منذ العصر الأندلسي على وجه الخصوص حتى وصلت في العصر الحديث إلى ما يعرف بـ ( التناص ):

وهو ما أسماه الباحث الفرنسي جيرار جينت بالتعلق النصي أو التجاوز النصي (hypotextualité) ويقصد جينت بهذا المصطلح العلاقة التي تربط بين النص (الحديث) كنص لاحق (hypertexte) والنص (القديم) كنص سابق (hypotexte) وهي علاقة تقليد أو محاكاة أو تحويل. (11 )

أما جوليا كريستيفا (12 )Julia Kristeva فقد عبرت عن مفهوم التناص بقولها: ” أنه ترحال للنصوص وتداخل نصيّ، ففي فضاء نص معين تتقاطع وتتنافي ملفوظات عديدة مقتطعة من نصوص أخرى “(13 ).

أو ” هو ذلك التقاطع داخل التعبير مأخوذ من نصوص أخرى “( 14)؛

الأمر الذي دفع بمصطفى السعدني صاحب كتاب التناص الشعري إلى التعليق على هذا المفهوم بقوله: ” وكل نص طبقًا لهذا التصور سيكون ذاتًا موحدة مستقلة، لكنه قائم على سلسلة من العلاقات بالنصوص الأخرى سواء كان ذلك بالحوار أو بالتعددية أو بالتداخل أو الامتصاص” (15 ).

كما عبر عنه الناقد الفرنسي بارتBarthes وبمفهوم أوسع وأشمل حيث يرى أن ” كل نص هو تناص، وأن النصوص الأخرى تتراءى فيه بمستويات متفاوتة، وبأشكال ليست عصية على الفهم بطريقة أو بأخرى، إذ تتعرف نصوص الثقافة السالفة والحالية فكل نص ليس إلا نسيجًا جديدًا من استشهادات سابقة “(16 ).

وقد استخدمت الشاعرة أحلام الحسن في قصيدتها ” أنت قلبي ” التناص بنوعيه الشعوري واللا شعوري حيث تناص الوعي أو الشعور في بعض الألفاظ المستلهمة من قصيدة كامل الشناوي في أولى الكلمات الاستهلالية للقصيدتين كجملة ” أنت قلبي “، وكذا استخدمت الشاعرة جُمَل كاملة مع تعديل طفيف ” لستَ قلبي إذا ” كذلك استخدمت نفس الألفاظ لمقاطع من القافية والتي نوهنا عنها آنفًا، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، وكل ما سبق يدخل في إطار ما يعرف بالتناص الشعوري الظاهر أي تكون الشاعرة مدركة تمامًا وهي في كامل الوعي أنَّ هذه الألفاظ والجمل تتناص مع النص النموذج لكامل الشناوي .

كما استخدمت أحلام الحسن النوع الثاني من التناص وهو تناص اللاوعي أو اللا شعور والمعروف بتناص الخفاء في مواضع عدة من قصيدتها والتي تتماهي فيها مع مقاطع قصيدة كامل الشناوي ضمنيًّا حيث يقول الشناوي :

صحوة الموت ما أرى أم أرى غفوة الحياه
أنا في الظل أصطلي لفحة النار والهجير
وضميري يشدني لهوى ماله ضمير
وإلى أين؟لا تسل فأنا أجهل المصير

في حين تحاكية أحلام الحسن وتعارضه في قصيدتها فتقول:

سقيَةُ الموتِ هل أرى
أم أتت
بعثةُ الحياهْ

أنا في الثّلجِ
أصطلي مثل
من كانَ بالسّعيرْ

وأنيني يجرّني
نحوَ زوجٍ
بلا ضميرْ

ورحيلي يهدّني
دونَ أن
أعرفَ المصيرْ

لاحظ أن الشاعر كامل الشناوي يستخدم السطر الشعري المموسق داخليًا وخارجيًا فلا يكاد يخلو سطر شعري من استخدام الكلمات الموسيقية التي تعمل على تصعيد الإيقاع ” صحوة الموت ما أرى أم أرى غفوة الحياه ” لاحظ لترى أكثر من كلمة تنتهى بحروف المد وسط السطر الشعري السابق ” ما – أرى – أم أري ” إلى جانب نغمة البحر وموسيقا القافية في نهاية السطر الشعري أما الصورة الشاعرية فتأتي في انعدام الرؤية بين صحوة الموت وغفوة الحياة ثم يتبعها بصورة جمالية أكثر تصعيدًا للحالة الشاعرية ” أنا في الظل أصطلي لفحة النار والهجير ” ؛

في حين تذهب أحلام الحسن إلى تصعيد أكثر للصورة الشاعرية لترتقي فوق الإيقاع المموسق داخل السطر الشعري وتعمل على تغليب المستوى الجمالي على الإيقاع مقارنة بقصيدة الشناوي فتقول :

سقيَةُ الموتِ هل أرى
أم أتت
بعثةُ الحياهْ

وهنا مفارقة في الرؤية بين سقية الموت وبعثة الحياة الصورة هنا أعمق لما فيها من تضاد وحين تبلع أحلام الحسن أعلى درجات التصعيد الدرامي للحالة الشاعرية ومستواها الجمالي فتقول:

أنا في الثّلجِ
أصطلي مثل
من كانَ بالسّعيرْ

فتستبدل لفظ ” الظل ” الذي قاله الشناوي بلفظ “الثلج ” وهنا تتكئ أحلام الحسن على التضاد لترفع قيمة المستوى الجمالي فحينما تكون في الثلج وتصطلي كمن كان في السعير فهذا يدلنا على شدة العذاب وحرقة الوجد وهي صورة أقوى وأعمق مِن مَن كان في الظَّل وتلفحه النار لآن الثلج والسعير ضدَّان وهنا مكمن الجمال ،

أما مضمون المقطعين واحد يظهر فيه التداخل النصي ، ويسجل النص الثراثي للشناوي حضورًا لافتًا داخل نص أحلام الحسن حيث يأخذ هذا الحضور في المقطعين السابقين شكل التناص اللاشعورى أي الذي يكون في حالة من اللا وعي للذات الشاعرة وهو تناص خفي للفكرة العامة والمعنى والوجدان والحالة الشاعرية ضمنيًّا لمَا يعتري كليهما من ألم وعذاب ممن أحب .

الاستخلاصات والنتائج :
***************

لقد كان وقع قصيدة الشناوي على أحلام الحسن جد مؤلم لها حيث استحضرت معاناة الشاعر في نصه واسقطتها على معاناتها في نصها على حالتها هي إثر محطات من زمن مرَّت بها ثم مضت بعيدًا حتى إذا أدركتها قصيدة الشناوي تذكرت ما وراه الزمن من ألم وحزن، فكان لها نصيبًا من نفس معاناة وإحساس الشاعر إيان كتابته للقصيدة؛

الأمر الذي أثار حافظتها الشعرية للكتابة على نفس النهج والنمط ليتماهي الجديد مع القديم والأصالة مع المعاصرة ويتماهى شعورها بمرارة الألم والحزن مع شعور صاحب القصيدة النموذج ، فصنعت نصًّا لاحقًا موازٍ للنص السابق يظهر من خلاله براعة الشاعرة وملكتها الإبداعية في محاكاة النصوص ومعارضاتها .

لقد نجحت الشاعرة أحلام الحسن في معارضتها لقصيدة الشناوي فنحن معشر الشعراء ندرك تمامًا صعوبة محاكاة النصوص بوجهٍ عام وصعوبة محاكاة قصيدة التفعيلة على وجه الخصوص مع الحفاظ على وحدة البناء المعماري للقصيدة المستوحاه ، حيث تكمن الصعوبة في بناء قصيدة المعارضة أنها تكون على النسق الفني للقصيدة النموذج وهي وحدة البحر ووحدة القافية ، الأمر الذي يخفق فيه بعض الشعراء حين يقتبسون على غير علمٍ ودون تجديد أو اسقاط على حالتهم الشعورية أو دون معايشة الجواء النفسية للقصيدة الأصلية وكاتبها فتأتي معارضاتهم عشوائية لا تحكمها أطر فتكون أشبه بالسرقات الأدبية ، وهو ما تنبهت له الشاعرة أحلام الحسن في محاكاتها لقصيدة الشناوي حيث تماهت مع الفكرة والحالة وتحدثت عن نفسها ومعاناتها التي أتفقت مع الأجواء النفسية لقصيدة الشناوي فجاءت قصيدتها بما يشبه قصائد السر السيرذاتي أن صح التعبير .

وقد أتاحت هذه المعارضة للشاعرة أحلام الحسن وضع بصمة إبداعية مميزة لها فجددت في شكل الصورة الشعرية بشكل أكثر عمقًا وأرحب خيالًا.

والآن يأتي دورك عزيزي القارئ لتسهم في انتاج النص الإبداعي فإذا كنت ممن يميلون إلى القصائد الأكثر غنائية ويرجحون النصوص الأكثر إيقاعًا موسيقيًّا فأنت أقرب إلى نص الشناوي ” لست قلبي ” حيث غلَّبَ الإيقاع الموسيقى الذي يؤثر في جميع الحواس على المستوى الجمالي مع عدم إهماله للأخير .

أما إذا كنت من هواه عمق الصورة الشاعرية وقوتها فأنت أقرب إلى نص أحلام الحسن ” أنت قلبي ” حيث عمدت إلى تصعيد الصورة الجمالية ورفعتها وتقديمها على الإيقاع الداخلى للسطر الشعري مع عدم إهمالها للموسيقا في النمط الفني من تفعيلة وقافية .

وفي تقديري أن هذا الأمر يرجع إلى طبيعة كل من الشاعرين فأحلام الحسن شاعرة تنتمي إلى شعراء القصيدة الكلاسيكية – العمودية – في الأساس ولها إسهامات شعرية وأدبية أثرت بها المكتبة العربية فيغلب عليها صفة الشاعر الذي يروم رسم الصورة الشاعرية العميقة التي تتسم بقوة اللفظ وتجسيد المعنى بما يمكن أن نطلق عليه بالمشهدية الدرامية للصورة الجمالية ؛

في الوقت الذي كان كامل الشناوي شاعرًا غنائيًّا متمرسًا على أضافة قيمة مضافة للإيقاع باستخدام الكلمات الموسيقية داخل السطر الشعري بكمٍ كثيف فيأتي سطره الشعري مموسقًا مغنى بطبعه وهو عند الشناوي أولى من الصورة الشاعرية العميقة .

شكرا للشاعرة الأديبة أحلام الحسن على ما قدمته من إبداع وتمنياتي بمزيد من التألق والرقي .

*****************************************************

المراجع
*****

1- سيد فاروق: المواقع الاستراتيجية “على خارطة النص الإبداعي”، دراسات نقدية ، ط1، 2019، (د ط) المؤسسة العربية للعلوم والثقافة ، القاهرة – مصر، ص 25.

2- محمد فكري الجزار: العنوان وسيموطيقيا الاتصال الأدبي, الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998م، ص45.

3 – د. بسام قطوس:سيمياء العنوان، وزارة الثقافة, عمان-الأردن, ط1, 2001م، ص7.

4 – عبدالرحمن ابو علي: مع امبرتو ايكو، مجلة نزوى، العدد14, 1998م.

5 – محمود عبد الوهاب: ثريا النص-مدخل لدراسة العنوان القصصي- الموسوعة الصغيرة (396)، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد،1995م، ص 9.

6 – المرجع السابق، ن ص .

7 – محمد فكري الجزار: العنوان وسيموطيقيا الاتصال الأدبي, الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998م، ص 31.

8- أحمد الشايب: تاريخ النقائض في الشعر العربي،(د ط) مكتبة النهضة المصرية، ط3، 1998 ، القاهرة – مصر، ص 7.

9- Jamal Eddine BENCHEIKH, POETIQUE ARABE, ESSAI SUR LES VOIES D’UNE CREATION, PARIS, ANTHROPOS, 1975, P. 168

10- أبو الحسين محمد بن أحمد بن طباطبا العلوي، كتاب عيار الشعر، الرياض، دار العلوم للطباعة والنشر،1985، ص 7.

11- Gérard Genette, Palimpsestes. La littérature au second degré, p. 13

12 – جوليا كريستيفا: علم النص، ترجمة فريد الزاهي،دار توبقال للنشر،المغرب،ط2، 1997م ص21.

13 – المرجع السابق: ن ص.

14 – ربى عبد القادر الرباعي: البلاغة العربية وقضايا النقد المعاصر،دار جرير للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2006م ص 203.

15 – مصطفى السعدني: التناص الشعري،منشأة المعارف، الأسكندرية،دط،1991م، ص78

16- مجموعة من المؤلفين: آفاق التناصية المفهوم والمنظور،تعريب محمد خير البقاعي،جداول للنشر والترجمة ، بيروت،ط1، 2013م،ص** بقلم / سيد فاروق

قصيدة الشاعر كامل الشناوي

لست قلبي
*****
انت قلبي انت قلبي،فلا تخف
وأجب هل تحبها
وإلى الآن لم يزل
نابضاً فيك حبها
لست قلبي أنا إذن
إنما أنت قلبها
كيف ياقلب ترتضي
طعنة الغدرفي خشوع وتداري جحودها
في رداءٍمن الدموع لست قلبي..وإنما
خنجرأنت في الضلوع
أوتدري بما جرى أوتدري؟دمي جرى
أخذت يقظتي،ولم تعطني هدأة الكرى
جذبتني من الذرى ورمت بي إلى الثرى
قدر أحمق الخطى سحقت هامتي خطاه
دمعتي ذاب جفنها بسمتي مالها شفاه
صحوة الموت ما أرى أم أرى غفوة الحياه
أنا في الظل أصطلي لفحة النار والهجير
وضميري يشدني لهوى ماله ضمير
وإلى أين؟لا تسل فأنا أجهل المصير
دمرتني لأنني كنت..يوماً.أحبها
وإلى الآن لم يزل نابضاً فيك حبها
لست قلبي أنا إذن إنما أنت قلبها

******************************

قصيدة الشاعرة أحلام الحسن

أنت قلبي ..
******
أنت قلبي فكن معي
صادقًا
هل تُحبّهُ
بنعم لا فلا تُجب ملءُ
نفسي لهيبُهُ
لستَ قلبي إذا نعم
بل سهامٌ
تُصيبُهُ
عذّبتني يدٌ لهُ منهُ طعنًا
وفي الضّلوعْ
فتَّ كبْدي
ولم يَتُب
بدمٍ سالتِ الدّموعْ
ماتَ حُبّي
الذي لهُ ﻷ فلن
أُشعلَ الشّموعْ
دجلًا
قال وافترى
ورماني دمًا يُرى
سلبَ العُمرَ كلّهُ
ولقتلي
قدِ اشترى
رَجلٌ
مجرمُ العتاهْ ألفُ
غدرٍ لفي هوَاهْ
بسماتي قدِ اختفت
صرتُ
أمشي كما الحُفاهْ
سقيَةُ الموتِ هل أرى
أم أتت
بعثةُ الحياهْ
أنا في الثّلجِ
أصطلي مثل
من كانَ بالسّعيرْ
وأنيني يجرّني
نحوَ زوجٍ
بلا ضميرْ
ورحيلي يهدّني
دونَ أن
أعرفَ المصيرْ
حطّمتني
سُمُومُهُ ورمتني
بلا طبيبْ
سوف أبكي
جهالتي ندمًا
مالهُ رقيبْ
أنتَ قلبي فقل كفى
ليس في اﻷفْقِ
من حبيبْ
ليس
في اﻷفْقِ من حبيبْ
ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى