المرأةُ العربيّة بين التّاريخ والحقيقة

المرأةُ العربيّة بين التّاريخ والحقيقة
خليفة السّلطان
لم يرتدِ تاريخُنا العربيّ ثوبَ الحقِّ والإنصافِ في مواضعَ كثيرةٍ حينما نقل لنا أخبارَ النّساء العربيّات اللواتي ظُلمنَ كثيرًا في كتبِ التّاريخ وأخباره، وما تشدّقَ به المستشرقون الذين بذلوا قُصارى جهدهم للنّيل من العُروبة والعرب ولا سيما في الفترة التي كانت العرب تحكمها العادات والتّقاليد والأعراف الاجتماعية آنذاك في فترة زمنية تكلّلت بالفروسيّة والشّهامة والنّخوة العربية قبيل مجيء الإسلام الحنيف الذي سخّر هذه القيم لنّصرة الدِّين والدّفاع عنه، وكانتِ المرأة العربيّة من أهمّ المُقدّسات التي كان يرعاها العربيّ بشهامته وأخلاقه.
حقيقةَ الأمر أنّ المستشرقين ما هم إلا تتمّة أحقاد أعجميّة للفرس والرّوم الذين حاولوا دَسَّ السُّمَّ للعرب الذين تربعوا على عرش الشّجاعة والسّمو في صحرائهم العربيّة التي ولّدت الزّعماء والملوك والفرسان، ولو تمعنّا قليلاً في تساؤل؛ أنّ هؤلاء الزّعماء والملوك والفرسان وُلدوا من أرحام نساءٍ ليسَ لهنّ شأن ومكانة في مجتمعهنّ، وهل كان العربيّ الأصيل الشّهم ينال من كرامة النساء ويسلُّ سيفَ حقده وكيظه على زوجه وأخته ويخجل من نسب أُمّه؟
قد يبدو الجواب للوهلة الأولى أنّ المرأة العربيّة عانتِ الكثير والكثير ، لكن ماهذه إلّا أكاذيب نُشرت للإهانة من تأريخ العرب الأصيل والذي يكاد ينعدم وصوله إلينا، لكن المتعمّق بتأريخ العرب وحياة المرأة العربية الجاهلية يجد أنّ المرأةَ العربيّة كانت في أوجِ الحكمة والتّفكير وتعرفُ ما لها وما عليها، وثمّة أخبارٌ وروايات كثيرة تنقل لنا أخبارًا وقصصًا تدعم موقفنا من المرأة ولاسيما قبل الإسلام، والتي عُرفت تلك الفترة بالجاهلية ولم تكن هذه الفترة جاهليةً بمعنى الجهل والأميّة، إنّما تكون جاهليةً من الجهل الذي هو نقيض العلم، ولو سرنا معًا بقصص النّساء العربيّات الحرائر وذوي الحكمة، والنّخوة لوجدنا أن دور المرأة العربيّة هو شرفٌ للتّاريخ العربي الذي يكاد يخجل الكثير من الباحثين والمؤرخين ذكره، ولم تكن موقعة ذي قار إلا خير شاهد ودليل على أنّ العرب ثأرت تارة للمرأة العربية، وبالوقت نفسه كانت العربيّة الحجيجة صفية الشيبانية هي من أشعل الفتيلة الأولى لتلك الموقعة والتي كانت بين العرب والفرس ومن أهمّ أسبابها المباشرة أنّ كسرى الفرس أراد الزواج من ابنة النّعمان بن المنذر الذي رفض تزويجها إيّاه، فطلبه إليه وراح ضحية الدّفاع عن كرامة ابنته أنّه مات جسده تحت أقدام فيلة الفرس لكن روحه علت وسمت وخلدت في سجل الخالدين، فحاولت هند ابنة النعمان الفرار من كسرى ودارت في الأمصار تطلب النّجدة والاستجارة، وبدوره كسرى نبّه جميع القبائل العربية عدم استجارتها وما سيلحق بهم من ضرر ،لكن حينما وصلت إلى مضارب بني شيبان وكان زعيمها الفارس عمرو بن ثعلبة الشيباني نصرها وقبل استجارتها وكانت أخته الحجيجة التي استثارت نخوة العرب والقبائل الأخرى لملاقاة الفرس والوقوف أمام جيش كسرى الجرّار وهذه الموقعة التي أشاد بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم إذ قال : (هذا يومٌ انتصف فيه العرب على العجم).
وخلاصة هذه الموقعة أنّ المرأة العربية كانت أهمّ أسباب النّصر، والمحفز الأول لإشعال فتيلة الحرب، وكان للنّساء الأخريات الفضلَ في بثّ روح الحماس والصّبر على ملاقاة الجيش الجرّار الذي قاده كسرى الفرس بنفسه.
ولو سرنا معًا إلى قبيلة جديس فكانتِ الشاعرة الشّموس عفيرة بنت غفار التي استطاعت الثورة على ملك طسم آنذاك عمليق اللّعين حيث يُعرف بجوره وطغيانه الذي وصلت به العنجهيّة إلى إصدار قرار بألّا تتزوجَ أيّ فتاة بكر من قبيلة جديس إلا بعد أن تدخل إلى مملكته وينال من شرفها ويفضّ بكارتها قبل زفّها إلى عريسها، فحينما حملوا إليه الشّموس ليفعل بها ما يفعل مع نظيراتها من الحرائر جعلها تقف أمام هذا الفعل الشّنيع وهذه الإهانة فرفضت أن تتنعم على فراشه الحريري لأنّ العربيّة الأصيلة لا يهنأ لها أن يمسّ كرامتها رجل لا يحلُّ لها حتى ولو قبل الإسلام، فأخذت تكتب الأشعار لتفجّر حمية أخيها وفرسان قبيلتها للتّخلص من الظلم، حتى اعتبرت هذه القصّة من القصص التي حرّكت الضمير العربي الحقيقي.
ويطول الحديث بنا عن الكثير من النّساء العربيات التي خجل التاريخ العربي في إعطاء حقهنّ وفضلهنّ، فتلك بيهسة بنت أوس يعود لها الفضل في إخماد نار الحرب التي نشبت بين عبس وذبيان.
فأكرم القرآن الكريم بعد ظهور الدعوة الإسلامية بتسمية سورة من القرآن الكريم بهنّ، وأوجد أحكامًا خاصّة تتعلق بهنّ، وثمّة شهادات في الأحكام الشرعيّة لا تُقبل إلّا من النّساء، ورسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام قال: ( إنّما النّساء شقائق الرّجال ).
إذن: المرأة العربية سواء أكانت قبل الإسلام أم بعده كُرّمت ويشهد لها بالفضل والتّحرر عن غيرها من النّساء الأعاجم اللواتي يصفن النّساء العربيات والمسلمات بالتّخلّف والجهل، وما زالت المرأة العربيّة تثور وتنادي بالتّحرر العقلانية والعلمية والثقافية والاجتماعية على مرّ العصور حتى عصرنا الحديث الذي أصبحت فيه المرأة جزءًا كبيرًا وماهذا التحرّر إلا تكريمٌ لها ولفضلها، فهي الأمُّ المربيّة، والأختُ الكريمة، والزوجة النبيلة، والبنتُ اللّطيفة، والجدّة الغالية، والعمّة الحنونة، والخالة الأنيسة.