Uncategorized
أمسية قصصية جمعت نخبة من القاصين في ثقافي الميدان

أمسية قصصية جمعت نخبة من القاصين في ثقافي الميدان
محمد نذير جبر – تصوير محي الدين كاظم
أقام المركز الثقافي العربي في الميدان أمسية قصصية شارك فيها نخبة مميزة من الكتاب وهم الأساتذة ( عماد نداف – منصور عيد الحاتم – رياض طبرة – فاتن ديركي )
كانت البداية مع القاص منصور الحاتم بقصة بعنوان (الموت بالمجان) تحدث فيها عن مأساة الموت التي خلفها مرض كورونا في عديدٍ من الأسر السورية . حيث تموت والدة توفيق بطل الحكاية جراء المرض بعد محاولات انقاذها . وقد جاءت خاتمة القصة على النحو التالي:
” التفت توفيق إلى الخلف وهمَّ بالعودة إلى الغرفة ، رجالٌ ونساءٌ بثيابهم البيضاء يخرجون منها ، سأله أحدهم أين مرافق المريضة هنا ، عرف بعدها توفيق أن كل شيء انتهى ، وتأكد بأنه سيقف أول الصف لتلقي التعازي.”
ورأى السادة الحضور من كتاب وشعراء أن الأسلوب كان تقليدياً وأن الحكاية تفتقر إلى الخيال حيث قال الدكتور الأرقم الزعبي على سبيل المثال: ” إن الحكاية بحاجة إلى الاشتغال والخيال الذي يجعلها نصاً أدبياً وليس مجرد حكاية”.
” التحولات.. حدث غدًا ” كان عنوان القصة القصيرة التي شارك بها القاص عماد نداف والتي كانت قصة لافته تتحدث عن مآلات سوسيولوجية قد تساهم في تأجيج نيران الصراع والنزاع ، ودعا من خلال قصته إلى التمسك بالمشاعر النبيلة التي تقوم عليها قيم التعايش وعلى رأسها ” الحب” ، ونبذ الكراهية وتحصين الذات ضدها وإلا وقعنا دوماً في ذئبية داهمة لامناص منها تلتهم إنسانيتنا حتى لايبقى منها شيء .
ومن القصة نقتطف:
“هذا الطعام لم يعد يصلح للبشر
واحتجت:
اللحم ليس لحمًا والخضار ليست خضارًا حتى الخبز صار مثل نشارة الخشب
وسمعت صوت جورجيت
قلت لكم هذه ليست عيشة ، تأكلون خبزًا مليئًا بالقش ولا تحسون
لم يبالي اخوتي بما سمعوه وجوههم رمادية وعيونهم غائبة عما يجري فمثل هذه الاحتجاجات لم تعد تجدي نفعًا وكأنهم قبلوا بقدرهم وحظهم السيء في هذا العصر الموحش”.
وقد عبر عدد من السادة الأدباء الحضور عن إعجابهم بفنيات القصة وبرسالتها ومما تم التطرق إليه نقتطف ماقالته الأستاذة الشاعرة والناقدة هيلانة عطا الله : ” أصرَّ القاص على فكرة الحُب ولامست القصة في جوها العام جو الروايات ” وأشادت الأستاذة عطا الله باشتغال القاص على مختلف مناحي القصة من مكان وشخصيات وحوار وصولاً إلى الخاتمة المدهشة
والموفقة جداً حسب تعبيرها وقد تمثلت الخاتمة بعواء ذئبي يصدر عن الشخصية الرئيسية والذي هو شاب تخلى عن الحب فصار ذئباً هو وكل من تخلوا عن الحب في تلك المدينة .وعلى الصعيد الأسلوبي رأى الأديب والصحفي سامر منصور أن القاص عماد كان موفقاً “بالانتقال من واقعية تنضح بالتفاصيل المعبرة نحو فنتازية وعجائبية موظفة بشكل موحي “. وفق تعبير منصور.
تلى ذلك مشاركة الشاعرة والقاصة فاتن ديركي وقد شاركت بقصيدتين ومقتطف من قصة لها وهم (بائعة الخبز – صلوات – وصار رجلًا) وحكت فيما قدمته من قصة ” وصار رجلاً ” عن رسالة كتبها حدث سجين إلى والده. وجاءت هذه الرسالة بمثابة إعلان موقف رجولي ينم عن نضج ذهني من قبل هذا الحدث في مواجهة الأب.
ومما قرأته الشاعرة من قصيدة “صلوات ” نقتطف:
سمعتُ الحب في صوت الحكايا
يغني السّلم يستجدي السّلاما
ينادي يحتسي دمعاً سكوبا ً
يصلي في الورى يبكي اليتامى
فكيف الموتُ تدعوه الأنام
ليعدو صاعداً حتى الغماما
وكيف الطفل في المهد الصغير
على أهدابه نلقي الظلاما
هنا حلمٌ تباكته الليالي
غفا تعباً على خدّ الخزامى
هنا ولدٌ صحا قلقاً كئيباً
يغشىُ عن أصابته فهاما
فكيف به إذا جاء الربيع
وعانقه في عينيه ناما
فلا رسمٌ بألوان تغني
ولا أمل براحته تسامى
ولا فرحٌ لطفلٍ بات يوماً
يغطي المدى جرحا ً قتاما
إلامَ الحربُ تنهش ُ في ربانا
وتسقينا انكسارات علاما
فإن فاز السلاح الغرُّ حينا
هزمنا مع مآسيه انهزاما
تلاشى من سمانا ألف نجم
خبى من شمسنا نور السلاما
أكان على الورود أذى سحيقاً
أكانت حربُنا قدرًا لزاما
ضجيج في ضمائرنا بكاء
على طرقاتنا اثجى وجاما.
وحول ماقدمته الأديبة فاتن ديركي نكتفي بذكر النقاط الإيجابية في هذه العجالة والتي تطرقت لها الشاعرة والناقدة هيلانة عطا الله التي أشادت بالانزياحات وبالقاموس اللغوي الواسع لدى الشاعرة فاتن وحول المقتطف القصصي قالت الأستاذة هيلانة: ” القصة مؤلمة من واقع الحال ، حيث استلهمت أفكارها من وحي الحرب وتأثرت القاصة بمجالها المهني كمحامية أثناء كتابتها”.
وكان ختام المشاركات مع القاص رياض طبرة حيث شارك بقصة بعنوان (الشرفة) جاءت الحكاية فيها بقالب فنتازي وجاءت خلاصة الرسالة فيها عبر عنصر الحوار ، واتبع القاص رياض أسلوبياً تقنية التورية فجاءت قصة موحية وبدا كأن القاص أراد من خلالها قول كل شيء دفعة واحدة عن معاني الوجود والحياة خلال حوار شخصيته الرئيسية مع المارد . ومع ذلك لم يخرج عن الفكرة الرئيسية التي تكرس قيمة الحُب وتظهره كمفتاح للأبواب التي تخبئ الحياة خلفها أجمل ما فيها. ومما قرأه نقتطف:
” للمرة الأولى يزهر الربيع في بلادي قلقًا وهلعًا ووجعًا في الروح يمنعنا أن نخرج حفاظًا علينا للمرة الأولى تكتبنا الأحداث شهودًا لم نرَ خلالها ما نشهده ولا نرى شيئًا سوى ما يريدون أن نراه الشتاء في بلادي لم يتوان عن العبث بالربيع فجاء صاخبًا مرعدًا.
وحتى قوله…
ياللمعذبات المهلكات كيف تتوالى علينا من الموت قهرًا في حرب ظلوم غشوم إلى خيار من خيارين ، إما الموت بالوباء أو الموت جوعًا وقهرًا بالغلاء ، وخلف الغيوم ما خلفها.”
أشاد السادة الحضور بالقصة وتناولوا بعضاً من تكويناتها الفكرية والفينة وقد تطرقت الشاعرة والناقدة هيلانة عطا الله بدورها إلى أبرز عناصر قصة (الشرفة) التي لفتتها: ” الخطف خلفاً ، الحوار ، التناص”.. وأثنت على القصة ورسالتها المتمثلة بربط معنى الحياة بالحب.
وفي الختام عبر عددٍ من الكتاب والأدباء ونذكر منهم السادة ” الدكتور الباحث الأرقم الزعبي ، الأديب والمسرحي القدير محمد الحفري ، والقاص سهيل الديب ” وآخرين .. عبر آراء وملاحظات موضوعية قيمة تتسم بشفافية كبيرة غير معهودة في الأمسيات الأدبية المقامة في بلدنا عادة.