شعر و ادب

-سوريالية السّرد في تراتبية الحدث في رواية (ساعة بغداد)-

-سوريالية السّرد في تراتبية الحدث في رواية (ساعة بغداد)-

قراءة: د. وليد جاسم الزبيدي/ العراق.

المقدمة:

كثيرةٌ وعديدةٌ القصص والروايات التي كتبها العراقيون وغير العراقيين في حروب العراق. ولكلّ أسلوبه ومنهجه ولغته وأدواته. سأقفُ عندَ روايةٍ سمعتُ عنها ودارَتْ حولها حوارات ونقاشات بينَ مؤيدٍ ورافض.

وصف الكتاب: ساعة بغداد، الناشر:دار الحكمة (لندن)،تأليف: شهد الراوي، الطبعة: الرابعة عشر، 1441ه/2020م، عدد الصفحات ((265صفحة،وهي الرواية الفائزة بجائزة أدنبرة للكتاب، الرواية الأولى سنة 2018م،وقد دخلت في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية بوكر سنة 2018م، وكانت قد صدرتْ الطبعة الأولى عام 1437ه/ 2016م.  

أحاولُ هنا تفكيك الرواية لغرض قراءتها قراءةً توائم أدواتي وما توصّلتُ اليه:

أولاً: عتبة العنوان: (ساعة بغداد وتاريخ المحلة)، السجل:

1-(ساعة بغداد)، العنوان الكبير:

عتبة عنوان الرواية (ساعة بغداد)، لماذا؟؟ وكثيرةٌ التوقيتات التي تُذكرُ في متن الرواية بالساعة والدقيقة والثانية، وعديدةٌ هي الساعات، والأوقات، وأثر(ساعة بغداد) في تكوين وحبكة السرد، كما هو حال تسمية السجل الذي انكبت (الروائية-راوية الأحداث-) ونادية، وبيداء،على تسجيل كل تفاصيل (المحلّة/ الحارة) . سنعرف ذلك مما وردَ في الرواية:

1-في ص:28 : (.. أخذونا من المدرسة في رحلةٍ الى بنايةِ الساعة الجديدة التي أسمها(ساعة بغداد)،تجوّلنا في القاعات والحدائق، ثم أخذونا الى المتحف..).
1- في ص: :29 (حلُمتْ نادية أنها تركضُ في حديقة ساعة بغداد..).
2- في ص: 31 : ( وصلتُ الى بناية الساعة، في الليل تكونُ الساعةُ أجمل مما هي عليه في النهار، وعندما حولها نستطيعُ أن نراها من كل مكان، لأنها في الحقيقة ليست ساعةً واحدةً، هي أربهُ ساعات مربعة الشكل، كلّ واحدة منها في جهة، لا أدري لماذا لا يسمونها (ساعات بغداد) ماداموا يضعون أمام كلّ واحدة مصباحاً كبيراً على الأرض. كان العقربُ القصير عند الرقم (1) والعقرب الطويل عند الرقم (9).).
3- في ص: 32: (مشيتُ قريباً من البناية، التي تُشكّلُ نجمةً بثمانية أضلاع، ويقفُ فوقها البرجُ الطويلُ الذي نشاهدُهُ من بعيد…..تك، تك، تك،تك،تك).
4- في ص: 122: (سمعتُ دقّاتِ ساعةِ بغداد وهي تعلنُ العاشرةَ صباحاً..).
5- في ص: 130 : (اقتربنا من بناية الساعة وتوجّنا نحوها..).
6- في ص: 131: (..قبل أن تُعلنَ الساعةُ منتصف الليل بحسب توقيت بغداد التي تنامُ الآن تحت المطر،…).
7- في ص:139: (هذه السنةُ هي سنةُ الأناشيدِ الحماسّيةِ الجديدة أو (عام الحسم) كما يسمّونهُ…).
من خلال صفحات الرواية، نعرف أهمية (ساعة بغداد) وما تحملهُ من دلالات هندسية ومعنوية وسياسية واعلامية، فموقع الساعة يقع في مكان ستراتيجي في بغداد، لهُ دلالته، فهي تقع ضمن مساحة منطقة (ساحة الاحتفالات)، هذه الساحة التي احتفل فيها العراقيون بـ(يوم النصر العظيم) في -ختام- معركة الثماني سنين(1988-1980)، ولها دلالة أخرى كونها بُنيت بأيدي عراقية خالصة إبّان الحصار الاقتصادي العالمي على العراق،بيد كوادر من التصنيع العسكري سنة 1994م، وفي ساحة الاحتفالات، وساحة الساعة هناك قاعات كبيرة، وحدائق، وفيها متحف يضم الهدايا التي كانت تهدى من الناس والسلطات ورؤوساء الدول الى رأس النظام السياسي آنذاك.
والدلالة الأخرى فضلاً عن كونها مكان للإحتفالات بالنصر، ومكان لإستعراض الجيش العراقي، فهُ يحملُ رمزيةً أخرى ، لإستخدامه بعد الاحتلال (عام 2003م) مقراً لمحاكمة الرئيس العراقي السابق ورموز نظامه، ثم أن (ساعة بغداد) كان هدفاً ستراتيجاً من أهداف طيران الاحتلال .
ألا تكفي كل هذه الأسباب والدلالات لتضع (الكاتبةُ) عنوان روايتها بهذا الإسم .
2- السجل ( سجل ساعة بغداد- تاريخ المحلة):
لنتصفح الرواية ونقرأ ماورد فيها بخصوص السجل(الرواية)، ومنْ كتبهُ وأسهم فيه، وكيف وُلِد.
-في ص: 202: (الكتابة بهذا المعنى تعملُ عملَ حارس الذاكرة، تذكّرُنا بأسماء الأشياء وبعض وظائفها واستخداماتها، لكنها تتجاهل تاريخها الروحي، الذاكرة الحيّة هي وحدها التي تحافظُ علينا ضد لعنة الغياب.).
-في ص: 203 : ( لمكافحة النسيان في محلتنا أيضاً، فكّرْنا أنا ونادية في كتابة عبارات توضيحية على الأشياء، بدأنا هذه التجربة بأنفسنا، كَتَبنا في سجل أزرق عثرنا عليه في مكتبة أبي:….)…( تطوّرتْ فكرتُنا، وقرّرنا أن نكتبَ في السجل نفسه عشرين صفحة عن كل عائلة في المحلّة، تُلخّصُ حياتَهم وذكرياتنا معهم، وهذه أول مرة يجري فيها تدوين تاريخنا الشخصي كجيران بعد أن أصبحت ذاكرتنا مهددة بالزوال.).
-في ص: 204 : ( سألتْني نادية: -ولكن مااسم هذا السجل؟ / -(ساعة بغداد). / -لا، نسمّيه تاريخ المحلّة. / – ساعة بغداد- تاريخ المحلّة.
أجبتها من دون تفكير طويل، ومن دون معرفة لماذا خَطَرَ الإسم ببالي، وافقت نادية على الفور، كتَبْنا على غلافهِ بخطٍ عريض: (ساعة بغداد-تاريخ المحلّة).
-في ص: 218: ( حملتْ بيداء حقيبة صغيرة لملابسها وبعض أغراضها وجاءت تنام عندنا في البيت، كانت نادية قد أقنعتها بالفكرة لنسهر نحن الثلاث معاً، … عثرتْ بيداء على الطاولة في غرفتي على سجل أزرق مكتوب على غلافه( ساعة بغداد- سجل المحلّة) وراحتْ تقلّبُ صفحاته باهتمام وشغف شديدين وتجاهلت وجودنا معا في الغرفة نفسها. … من دون أن تستأذننا بالكتابة، تناولتْ من طاولتي قلماً أسود وأخذت تكتب، من دون توقّف….).
– في ص: 220: ( تناولنا السجل بهدوء، ورحنا نقلّبُ إضافاتها، انبهرنا لكمية المعلومات التي دوّنتها من ذاكرتها العجيبة، التي لم تتركْ شيئاً يخصّ محلّتنا من دون أن تدوّنَهُ بتفصيلٍ ممل، وهكذا أصبحت لدينا ذاكرة شبه مكتملة، اصبحَ تاريخُنا الوافي بين يدينا.). (في (ساعة بغداد- سجل المحلّة) ينامُ الزمن الجميل كله، بين صفحاته تعيش حكاية كاملة بذاكرة حيّة غير قابلة للنسيان، انتقلتْ الحياة كاملة من الواقع الى الكلمات..).
إذن نحنُ أمام تسمياتٍ مقترحة (ساعة بغداد) (ساعة بغداد- سجل المحلّة) الذي تم الاتفاق عليه في النهاية، سجلٌ لكل تفاصيل المحلّة بيوتها أشجارها حيواناتها، ألوان أبوابها، أسماء شيوخها نسائها شبابها بناتها، وكل حدثٍ صغير وكبير. وقسّمتْهُ على كتابين : الكتاب الأول (طفولة الأشياء الواضحة)، والكتاب الثاني : كتاب المستقبل.
امتدّ الكتاب الأول الى (233) صفحة، وكان الكتاب الثاني في ( 34) صفحة.
أمّا الكتاب الثاني : كتاب المستقبل: فقد كتبه القدر، ليكون تتمة للكتاب الأول، وسداً للفراغات الموجودة في الكتاب الأول، وأجوبةً لتساؤلاتٍ وأسئلةٍ عند (الراوية)، هكذا خرجت (الروائية) من جلدها لتحلّق في فضاءٍ أوسع وتعطي لنفسها الحق أن تكتب بإسم المستقبل وأن تصنع كتاباً بإسلوب وصياغة المستقبل . في أخبار سعيدة وأخرى حزينة، وثالثة ظلّت أوراقها مطوية لاتُقرأ لتظل سرّاً .
فهل هذا (السجل / الرواية) نعدّهُ سيرةً ذاتيةً للكاتبة؟ أم هو سيرة جمعية لناس ومجتمع؟ أم رواية تاريخية؟ أم هو سجل أو كتاب مذكّرات يُدرجُ في هذا الباب مع كثير من الكتب التي حملت مذكرات وذكرياتها الشخصية .
لو أنّ الرواية، انحصرت احداثها وحواراتها في باب المحلّة فقط، وما عملتهُ (صاحبة الرواية / الراوية للأحداث) في حياتها منذ نعومة أظفارها وحتى الجامعة وهجرتها مع عائلتها، لوضعناها ضمن (أدب السيرة الذاتية) وهناك العديد من الكتب العربية والعالمية التي كُتِبت واشتهرتْ في هذا الباب. ولو أنّ الرواية حملت احداث الحروب والحصار الاقتصادي فقط، لقلنا أنها (رواية تأريخية) أرّخت لفترة محددة ولسنين بعينها ماجرى في بغداد. ولو كانت (الرواية/ السجل) يتحدث عمّا جرى للبنات الثلاث (الروائية/ نادية/ بيداء) وتسجيل ماحلّ بهنّ وبعائلاتهن فقط ، لوضعنا الرواية في باب (المذكرات). لكنها (أي الرواية) جمعت هذا الكل المؤتلف/ المختلف، بل وأضافت (كتاب المستقبل) وجانباً من الفنتازيا في سرد حياة مابعد الموت،

والمشعوذين، ألبست الرواية صفة الرواية دون غيرها من المسميات وحلّقت بها الى السوريالية،. ولماذا السوريالية دون غيرها؟ سنكشف هذا لاحقا.

ثانياً: المكان: الرواية حافلة بسرد الأمكنة وتوصيفها أحياناً، باختلاف وتنوّع جغرافيتها وتضاريسها.

1-السفينة: صورة من صور المكان التي ترد في مواقع متعددة بتوصيف واحد، في صفحات متفرقة ، تحاول(الروائية) التذكير بصورة السفينة بعد سرد في أحداث وشخصيات الرواية. في ص:17: (في خيالي، أعدتُ الناسَ الذين شاهدتُهم في الملجأ الى بيوتهم في شارعنا، رتّبتُ تلكَ البيوتَ ورسمتُ منها سفينة كبيرة تشبهُ المحلة التي وُلِدْنا فيها، ثمّ رسمتُ دخاناً أبيضَ يصعدُ ببطءٍ نحو الغيوم.). وفي ص: 27: (قبلَ أنْ أنسى، دعوني أصفُ لكم ما رأيتُ أيضاً في ذلك المساء، رأيتُ محيطاً هائلاً من الفراغ ليسَ لهُ نهاية، في هذا المحيط الشاسع من الآفاق المترامية الأطراف تحت شمس الغروب شاهدتُ محلّتنا كأنها سفينةٌ ترسو عند ساحلِ المحيط، سفينةٌ عملاقةٌ يتوسّطُها برجُ المأمون مثل شراعها العالي وساعة بغداد كانتْ تشبه المرساة الملقاة على رصيف الميناء وبرج الزوراء هو مثل قمرة قيادة هذه السفينة. فكّرتُ مع نفسي: في يومٍ ما، عندما تتحرّكُ هذه السفينةُ من مكانها وتنفثُ بخارَها الأبيض في السماء، ستجأرُ محركاتُها العملاقة، ثمّ تدوّي في أرجائها إشارة الانطلاق، ويصعدُ الجميع على متنها في رحلةٍ طويلة نحو جزيرةِ الأمان، نحو مرافىء لم يصلها أحدٌ من قبلُ.).

في ص: 35: ( إسمعي ياعزيزتي، السفينةُ فكرةٌ في رأسك وأنا فكرةٌ في رأس السفينة، الأفكارُ الصغيرةُ غالباً ما تكونُ لديها أجنحةٌ خفيفةٌ وعندما تفقدُ جدواها على الأرضِ تطيرُ في الفضاء،…).

2- المحلّة: المكان الذي تقطنهُ عوائل تتقاسم فيها ظروفاً معيشية وحياتية وذكريات وتفاعل. في ص: 17: (صرتُ أعرفُ كلّ البيوت، أعرفُ الآباء والأمهات والأبناء والبنات، صارت المحلة في رأسي عالماً هندسياً من الخطوط، والمربعات، والمستطيلات، بمجرد أن يسألني أحدهم عن أي بيت، أقولُ لهُ بسرعة وأنا أغمض عيني: – إن هذا البيت، هو رابع بيت من الجهة المقابلة. لم تعدِ المحلّةُ بعدَ هذا الوقت، ذلكَ الشيء الذي كنتُ أتخيلهُ فضاءً واسعاً بحدود لا نهائية، صارت واضحة وصغيرة. .).

في ص: 71 : (كثُرَ في محلّتنا..)، ص: 117: (أصيبت المحلة بصدمةٍ شديدةٍ..)، بل أجدها في صفحاتٍ عدّةٍ، وهي من رموز الرواية المهمة التي تتكرّر وتجري فيها الأحداث والحوادث، توصيف دقيق لبيوتات المحلة في ص:204: ( البيت ذو الباب الأسود العريض، هو بيت أم علي، البيت الذي تدخله سيارة حمراء هو بيت أم مناف، البيت الذي تتدلى كرومه على بيتنا هو بيت أم حسام، البيت الذي يتسلقهُ اللبلاب ويغطي نوافذه هو بيت أم وجدان،…..).

حينما نقرأُ (المحلة) في الرواية ونتابعها في المتن، نجد أن (الراوية) صنعتْ من (المحلة) عراقاً مصغّراً، فيها مختلف الديانات والطوائف والقوميات.

3- الملجأ: الحروب تبتكرُ أماكن وأشكال معمارية للبناء وتصاميم لمعيشة الناس وتدخلُ في برامج كثيرة من حياتهم في الأكل والنوم والتفكير والتخطيط. وهكذا كانت الملاجيء معماراً ينضافُ الى المدن والقرى فضلا عن الثكنات. يظلّ الملجأ مكاناً وموعداً، مكاناً وزماناً، واحاسيساً، ومشاعر متشابكة متناقضة بين كتل بشرية تجتمعُ فيه . في ص: 13: (.. جئنا مع أهلنا من البيت الى الملجأ، وقبلَ أن ندخلَ رحنا نلعب سويّاً على درجات السّلّم الصغير الذي يقودُنا الى داخل المكان..). في ص:15: ( في بطنِ هذا الملجأ الذي يشبهُ حوتاً كونكريتياً كبيراً تتحرّكُ على جدرانهِ خيالاتنا، في المكانِ الرّطب المحصّنِ ضد الحرب…).


في ص: 18: (عندما انتهتِ الحربُ، لمْ نعُدْ نذهبُ الى الملجأ في كلّ مساء، صرتُ أقضي بعض الوقت في بيت نادية..).

4- المدرسة:مكانٌ للعلم والمعرفة والصداقة ، وطريق وسبب لعلاقات غرامية تؤسس عبر الرحلة من البيت الى المدرسة، وعبر الوسائل المعرفية (الكتاب) والسفرات المدرسية، والحوارات . في ص: 20: (..نزلَ المطرُ ذهبْنا الى المدرسة،..). ص: 21: ( لم أكنْ أعرفُ من الوقت سوى الساعة السابعة والنصف حين يدقّ جرس المدرسة في بداية الدوام. أعرفُ الساعة الواحدة أيضاً حين يدقّ مرةً ثانيةً في نهاية الدوام لنخرج الى البيت..). في ص: 26: (في الصّفِ الرابع الابتدائي صرتُ طويلة، أطول من نادية،…). في ص: 28: (..أخذونا من المدرسة في رحلة الى بناية الساعة الجديدة التي أسمها (ساعة بغداد)،..). في ص: 45: (مثلما كنتُ أحبّ مدرستي في النهار، كنتُ أخافُ من أشباحها في الليل. الأطفالُ كلهم يخافون من بناية المدرسة في الليل، وفي النهار يخافون من المديرة.).

في ص: 65: (كان منظر مروة وهي تمسكُ بالبندقية وتطلق الرصاص في الهواء يستفزّني شخصياً، لا أعرف إنْ كان ذلك قد أعجبني، أم أنا منزعجة منه، لولا بعض مظروفات بندقيتها التي كانت تتقافزُ أمام عيني وتخيفني لمّا كنتُ اهتممتُ بتاتاً بالأمر، يحدثُ ذلك كل يوم خميس في مراسم تحية العلم التي تجري في مدرستنا..).

 

في ص: 96: ( في أحد الأيام، خرجنا من المدرسة في مسيرة جديدة، كان هذا اليوم هو يوم الجولة الاستعراضية، التي قام بها النائب البريطاني(جورج غالاوي) في شوارع بغداد، تضامناً مع أطفال العراق ضد الحصار.).
في ص: 164: (بنايةُ مدرستنا الابتدائية تحوّلتْ الى ثكنة عسكرية، وتحوّلت المتوسطة الى مستودع للصواريخ، فوق البنايات العالية انتصبت مضادات الطائرات وهي تدورُ بفوّهاتها في السماء.).
5- الأبراج: معمار جديد أخذ يطوفُ في سماوات المدينة (بغداد)، ولها قصص وحكايا مع الناس، وكيف أصبحت دلالة ورمزاً. في ص: 19: (قالت بيداء وهي تشيرُ بإصبعها نحو بنايةٍ دائريةٍ عاليةٍ: -هذا برجُ الزوراء. قلتُ لها:- لكنّهُ أصغرُ من بُرج المأمون..). في ص: 163: ( تعالي أيتها الحربُ الصديقة، هذا برج المأمون، وهذه ساعةُ بغداد، تلك البنايةُ العالية، وذاكَ المطارُ، إذهبي الى شارع الرشيد ثمّة أبراج وبنايات في انتظارك، اذهبي الى جسر الجمهورية هناك بنايةٌ جميلةٌ اسمها وزارة التخطيط….).
6- توصيف وذكر أسماء الأماكن: حديقة الزوراء/ الرصافة/ حديقة ساعة بغداد/ الجادرية/ ملعب الشعب/ المنصور/ مرطبات الروّاد/ الكرخ/ الجسر المعلّق/ كورنيش الأعظمية/ …
ثالثاً: الجانب التاريخي في الرواية: أعتقدُ أن الرواية وليدة التاريخ، منهُ انبثقت وتأسست، وأحسها وأتذوقها بحكايات أمهاتنا وجدّاتنا، ويظل التاريخُ (الماضي) هو (فلاش باك) الأحداث التي تتناغم في مجريات الرواية، بل وتسطّر الرواية أحداث عاشتها الكاتبة لتؤرشفها وتوثقها للقادم من السنين والأجيال. وهكذا تضع الروائية ما تكتنزهُ ذاكرتها من معارف تاريخية في المتن ليكونَ مجرىً آخر يحميها من الرتابة والردم (الإيقاع) الواحد.
1- من عمق تاريخ بغداد:
في ص: 25: (.. في أول مرّةٍ رأيتُ فيها صورته، قلتُ لجدّتي منْ هذا؟ قالتْ لي: هذا هارون الرشيد، …). في ص: 28: (أحدهم رسمَ صورةً كبيرةً للرئيس ومعها صورة أكبر لهارون الرشيد، قلتُ للمعلمة: هارون الرشيد جدي، ..).
في ص: 174: (جدُّكِ يحبُّ بغداد، يحبُّ أهلها، يحبُّ كرخها ورصافتها، حتى هنا، …يذهبُ الى بغداد العصر العباسي ويتجوّلُ في قصورها ثم يجلسُ في مكان هارون الرشيد ويستدعي الشعراء والحكماء، ويستمعُ اليهم، ثم يطلبُ المغنين والعازفين ويسهرُ معهم الى الصباح، هو يريدُ من بغداد ألاّ تنام.
-لكن بغداد بناها المنصور؟ / – هارون الرشيد ، فكرةٌ بغدادية،حلمٌ من أحلام أهلها…).
2- تسجيل الأحداث والحوادث: في ص: 15: (..تعرّفتُ الى نادية في كانون الثاني عام 1991. )، ص19: ( في يوم من الأيام، كان ذلك على الأغلب يوم الجمعة من شهر نيسان..)، ص: 20: (كُنّا في شهر تشرين الثاني..)، ص: 28: ( .. ولكن اذا كنتم في بغداد عام 1994 ستتذكرونها..)، في ص:36: (…هرباً من الحرب في كانون الثاني 1991..) ، ص:165: (..ننامُ فيها عام 1991..)، ص: 195: ( في أحد أيام شهر تموز من العام الأول للإحتلال..)، في ص: 232: ( أنا ونادية وُلِدْنا في حرب السنوات الثماني، تعارفْنا في عاصفة الصحراء، كبرنا في سنوات الحصار وحرب الخليج الثانية، تناوبَ على طفولتنا بالصواريخ والأسلحة المحرّمة جورج بوش، وابنه جورج دبليو بوش، في حين أن بيل كلنتون والعجوز مادلين أولبرايت تكفّلا بتجويعنا، وعندما كبرنا كان الجحيم يجلس في انتظارنا.).


رابعاً: الأغنية في الرواية: عطّرتِ(الراويةُ) روايتها بمجموعة من الأغاني، التي تنوّعتْ بين أناشيد الحرب، والحب، والغربة، والوجع، فهي تجعلنا ندندنُ معها أحياناً، لتختارَ مع كلّ حدثٍ أغنيةً توائم الظرف والمقام، لتبعد الرتابة والملل من ذات المتلقي، أو لتحفيز الذاكرة بموروث الأغاني . لقد اختارتِ الروائيةُ أغانياً ترتبط بحياة العراقيين تشاركهم الهمّ والحدث والحروب والمواقف الانسانية المختلفة، وهي تمس وجدان العراقيين، وتّهدّ جزءً من ذاكرتهم الجمعية.
1- في ص:28: أغنية حرب( بين الشعب وبينك..) في شخص الديكتاتور.
2- في ص: 38: أغنية عشق( عيني ياعيني عليها، يامنولة/ تبجي والحنّة بديها، يامنّولة.).
3- في ص: 44: أغنية كردية في العشق: (نرجس نرجس نلاجس.. نرجس زينار جوانا/ أوي نرجس نرجس.. سرك الوني ايفانا).
4- في ص: 57: أغنية عشق حزينة( حايرة والشوك بين عيونك/ والسهر ذبل سواد عيونك/ خلينا نندل الطريق النمشيه/ أوله واضح خلي نعرف تاليه.).
5- في ص: 66 : أغنية عشق: (أحبك حب جنوني/ وأشيلك في عيوني).
6- في ص: 67: أغنية عشق (عاندي وسلمي عليّه خلي لوم الناس اليّه/ عانديهم.. عانديهم.. خل يفركون بايديهم).
7- في ص: 77: أغنية (ياطيور الطايرة مرّي بهلي..).
8- في ص: 105: أغنية رياضية، في لعبة كرة القدم: (هكذا يلعبُ المحاصرون). وهي في تشجيع المنتخب الوطني العراقي.
9- في ص:107: أغنية (غريبة الروح) أغنية عشق حزينة في الغربة.
10- في ص: 157: تقول الروائية في الرواية في الحديث عن أسماء المطربين العراقيين وأبطال الأفلام المتحركة للأطفال: ( سيفاجئُنا الزمنُ، يصيرُ حاتم العراقي مطرباً قديماً، وكذلك هيثم يوسف، ومهند محسن، ورائد جورج، واسماعيل الفروجي، سيكبرُ عدنان ويتزوّج لينا، ويكفّ السندبادُ عن التجوال..).
خامساً: حالات الحب ودلالاته في الرواية:
في زمن الحروب والويلات التي تعصفُ بأجواء الرواية، يظلّ الحب حاضراً، وفي صور مختلفة، ومستويات متعدّدة، وضعتها الروائية ضمن أجواء الأحداث ومسايرتها، فالعلاقات التي رسمتها (الروائية) هي افرازات مجتمع يعاني من ارهاصات كثيرة، وتقلبات، بين أعرافٍ ومعتقدات، وبين مشاعر وأحاسيس تحكمها الظروف والمجتمع. ومن هذه العلاقات التي وضعت هندستها الروائية:
1-علاقة نادية وأحمد: علاقة حب (أبناء محلّة/ حارة)، وهما طالبا ثانوية، انتهت بالفشل بسبب هجرة عائلة (أحمد) خارج العراق.
2-علاقة مروة/ وأحمد: علاقة من طرف واحد (مروة) ، ولايبادلها (أحمد) المشاعر والأحاسيس لإرتباطه بعلاقة مع (نادية)، وهي علاقة فاشلة .
3-راوية (الرواية) مع فاروق: علاقة حب حميمة وهما أبناء (محلّة/ حارة) طالبان في الثانوية ، انتهت بالفشل بسبب هجرة فاروق مع عائلته خارج العراق.
4- ميّادة وتوفيق: وميّادة طالبة في كلية الزراعة، وحبيبها توفيق وهو (طبيب)، انتهت العلاقة بقتل (ميّادة) من قبل شقيقها (حسام) بسبب التعصب والجهل، والعادات ولشخصية (حسام) غير المستقرة، عصبي المزاج، ومتقلّب في قراراته،

كان يتعاطى الخمر، ثم ينقلب فجأةً ليكون شديد التديّن ويتردد على المساجد(هكذا وصفته الروائية ).
ممّا تقدّم نرى فشل العلاقات الانسانية العاطفية لأسباب متعدّدة ترتبط بعدم الاستقرار، وعدم الإستقرار بنوعيه (الهجرة) أو الهروب من جحيم الحرب، في حين النوع الآخر من عدم الإستقرار هو العامل النفسي، وماتعانيه شخصية الانسان من اضطرابات وتقلبات بسبب الظرف العام.
سادساً: الهجرة : كُنّا نقرأ في كتب المدرسة قديماً، هجرة الطيور والحيوانات في مواسم الخريف والصيف والشتاء، بأثر التقلبات المناخية، وكذلك قرأناها في درس الإسلامية حينما نقرأ(سورة الإيلاف): رحلة الشتاء والصيف، حيث انتقال التجارة التي يعتمد عليها الناس مرةً من اليمن وأخرى من الشام.
في بيتي ، ما إنْ تضيقُ أنفاسي في غرفتي أنتقلُ الى غرفة المكتبة لأجعل من مزاجي في حالةٍ أفضل، واذا مللتُ أيضا هنا، انتقلتُ الى حديقة المنزل، لكنْ حينما تتحوّل أشجار وأزهر الحديقة في نفسي وروحي الى صحراء، أسارع الى هجرة المنزل لأذهب الى براح وفضاء أوسع يسع ما أنا عليه.
هكذا هم الناس، حينما تّضيّقُ الأوطان عليهم، ولا يحصلون فيه على (الأوكسجين) الكافي كي يتنفسوا، أو أنهُ يصبحُ مكاناً منتهي الصلاحية، يهرعُ الجميع نحو أول فرصةٍ للهرب، بل يبتكرون فرصاً وحججاً لعبور الحدود. بعضُ الأوطان تأكلُ أبناءَها، وتكونُ قوةً طاردةً للبشر.
الهجرةُ في (الرواية)، هي: الهروب من الحروب، ومن شظف العيش بسبب الحصار الاقتصادي، وعدم وجود الأمن، وفقدان الأحبة بطرقٍ شتى وتغييب الآخرين.
1- في ص: :49 (ليس بيت أم نزار وحده منْ هاجرَ من المحلة، بيت أم علي وبيت أم سالي هاجرا أيضاً، ثمّ تبعهم بيت أم ريتا، أصبح مشهد الدموع والتوديع عادياً، في كل مرة، نقف نودّعُ صديقةً تسافرُ مع أهلها من دون أمل في أن نراها ثانيةً.).
2- في ص: 50 : (عندما نشاهدُ عائلة تصعدُ سيارة الشوفرليه السوداء الكبيرة نعرفُ أنها مهاجرة من منظر الحقائب التي تُرزم فوق سقف السيارة..).
3- في ص:132 : (صارتِ الهجرةُ امتيازاً اجتماعياً للمهاجرين،..).
4- في ص: 199: (غادرتْأم فاروق بيتها وأحكمتْ إغلاق بابها، ولم تخبرْنا بالمكان الذي توجّهت اليه، لم يبقَ في شارعنا من سكّانهِ القدماء سوى بيتنا، وبيت نادية، وبيت بيداء،…).
5- في ص: 230: (أيّ السيارتين ستصل قبل الثانية؟ سيارتنا أم سيارة أهل نادية؟ …).
6- في ص:232: (نحنُ آخرُ دمعةٍ على ظهر السفينة، آخر ابتسامة، آخر شهقة، آخر وقع أحذية على أسفلتهم القديم….. على الزجاج الخلفي للسيارة السوداء التي توقفت عند بابنا فجر هذا اليوم ، كُتبَ بخط أبيض (هذا من فضل ربي).
من خلال السرد في الرواية وذكر بيوتات المحلة نرى التأكيد على أنثوية الرواية والراوية من خلال استخدام بعض الألفاظ والدلالات في العلاقات العامة والاجتماعية، وكذلك أنها تذكر البيوت بأسماء الأمهات وليس الآباء فتقول (بيت أم علي، وأم أحمد، وبيت أم سارة.. وهكذا..) ولم تقلْ بيت (أبو …).
سابعاً:آ/ التسميات وتغيير المسميّات: لكُلّ عصرٍ رموزه ومسمياته، ومصطلحاته، يضعها المجتمع دلالةً لما يعنيه، وهي تُعبّر عن روح العصر ونكهته وثقافته. وهكذا تنضاف للّغة كلمات لم يتم تداول البعض منها لا في قامةس أو معجم، أحياناً من نحت العامّة . ودليلنا في ذلك أن بعض المؤرخين، والباحثين، يعرف العصر من خلال نص أو رسالة، وفقاً لما يستخدمه المجتمع إبّان تلك المرحلة والفترة من مصطلحات وكلمات تكاد تكون شائعة ومتداولة.
وهكذا وضعتِ الراوية هذا الجانب بالحسبان وهذا ما نؤشرهُ في متن الرواية:
1-في ص: 188 : (سقطتْ بغداد…).
2-في ص : 192: ( تغيّرَ شكل الأشياء، وأصبحَ الشيء الواحد يمتلكُ أسماءَ كثيرةً. لم تَعُدِ اللغةُ تتمتعُ بصحةٍ جيدةٍ: تحرير، سقوط، احتلال، غزو، اجتياح، حواسم. كيفَ يمكنُ أن يكونَ ليومٍ واحدٍ كل هذهِ الأسماء؟. ).
3-في ص: 193: (انتقلتْ عدوى تعدديةِ الأسماء الى الناس أنفسهم. لم يعُدِ الإسمُ يعني الشخص نفسه، صارتْ هويتُهُ الطائفية . عدد كبير من الشباب عاشوا أياماً صعبةً بأكثر من إسم ولقب وعنوان، عندما تتخلى عن اسمك كيف ستعرفُ الآخرين؟.).
4- في ص: 158 : (في الجامعة اسمعُ كلّ يوم مفردات جديدة، غريبة بعض الشيء، وخالية من اللطف. قفّاص، نكري، حاتة تملخ، باي، أصيلة، طكوك.
مفردات قليلة بحروف مدببة، ، تحشرُ نفسها في اللهجة، وتحاولُ أن تخترقَ ذاكرتها، لكنها من ناحيةٍ أخرى، تنذرُ بخرابٍ روحي عميق، اللهجةُ المحلية في طبيعتها تتطورُ تلقائياً، وتستجيبُ لنموّها الداخلي، إنها وبمرور الوقت ، تحوّرُ الواقع وتعيدُ صياغته.).
5- في ص: 159 : (نحنُ نخافُ غريزياً من الأشياء التي نجهلُها، نخافُ من الغموض الناجم من الانطباعات الأولى، هذا شابٌ طيّبحد السذاجة، هذه فتاة مسكينة، هذا الطالب شيطان، هذه البنت مغرورة، وهؤلاء شلّةٌ شريرة، هذه الطالبة معقّدة، هذا متعجرفن وهذه متواضعة، هذه حديثة نعمة، وهذا ابن عائلة.).
ب/ التحوّل المجتمعي وصيرورة التقليد: تصوّرُ لنا الرواية التحوّلُ في العلاقات مع الآخر، ومع الذات، مع الآخر/ المجتمع، كيف يكون التعاول في مجتمع ومكان غير آمن، متى نخرج من البيت؟ متى نعود؟ كيف نتعامل وأسلوب الحديث، والكلمات التي نستخدمها؟؟، كيف يتعامل الآخر معنا ، والأغلب في الآخر هو العنصر الظلامي(السارق/ القاتل/ …)، طبيعة المكان الذي كان سابقاً يعجّ بالناس والأحاديث والأغاني نهاراً وليلاً، الى مكان أشبه بمقبرة، مُظلم، يرعبُ ساكنيه، ينقش عليه الآخر عبارات تهديد ووعيد على الأبواب والجدران.. الشارع الذي كان مكتظاً بالطيبة والناس الطيبين أصبح ساحةً لجنود المارينز، والى الآخر الذي يسرق ويقتل ويبيح لنفسه كل شيء..هذا مع الآخر، ومع النفس، هو التحوّل باستخدام مفردات يفهمها الآخر بأنها لا تؤذيه وليست هي الضد منه، وكذلك الملابس حيث أصبحت أكثر طولاً وأغطية للجسد، وسواد يبتلع كلّ الألوان. نقرأ في صفحات الرواية:
1-في ص: 194: (طلبتُ من أمّي أن تأخذني الى بيت نادية، لقد اشتقتُ إليها، أريدُ أن أذرفَ دموعي على كتفها، فتحتْ أمّي باب البيت، نظرتْ بعينين خائفتين تتفحص المكان يميناً ويساراً….. وضعتُ العباءةَ على رأسي وهذه أوّل مرّةٍ أرتدي فيها عباءة تعودُ في الأصل إلى أمي…).
2-في ص: 194: (…كلّ يومٍ تقريباً أضعُ العباءةَ على رأسي وأذهبُ إليها، في اليوم الذي غازلني فيهِ جندي أمريكي هو أحد أفراد دورية تطوفُ المحلة،..).
3-في ص:195: (في أحد أيام شهر تموز من العام الأول للإحتلال، زارتْنا مروة متخفية بعباءة ونظارات شمسية كبيرة الحجم، حذّرتْنا بصوتٍ منخفض وهي تتلفتُ يميناً ويساراً لكي نمنح حديثها أهمية..).
ثامناً: النسيان والتذكّر والاستطراد في الرواية: تُظهرُ لنا (الراوية / الروائية) بين حينٍ وآخر، أنها مشتتة الأفكار، تنسى، ثم تتذكر، هو عامل نفسي، الشرود الذهني، الخوف، الصور المتناقضة، الإحباط، بنت شابة، في ربيع عمرها، تحاول جمع ماتكسّرَ في ذاكرتها، تحاولُ لملمةَ الصور، الموضوع، الجمل، العبارات، المشاهد، ..تقول في معرض حديثها في الرواية:
1-في ص:23: (عندما أحاولُ أن أتذكرَ تلكَ الأيام…).
2-في ص:27: (قبلَ أن أنسى ، دعوني أصفُ لكم…). ..(نسيتُ أن أخبرَكُم عن أمرٍ آخر..).
تاسعاً: الخاتمة والتحليل :
رواية (ساعة بغداد) فيها الواقع والمتخيّل، أحداث تجري على أرض الواقع في كل محلّة، وفي كل مدينة، كما هي بغداد وأحياناً أكثر رهبةً، وكذلك في القرية، التي صوّرتها الرواية مكاناً آمناً لبعض العوائل للهروب من المناطق المرشّحة للقصف والعدوان الأمريكي والجيوش التي كانت معه،ليتحمل (العراق) ما واجهته أمريكا من أحداث (11 سبتمبر)، ولتغطي فشلها العسكري والأمني واللوجستي. ومع أحداثٍ ظهرت في مناطق متنوّعة حدّدتها الرواية بأسمائها الحقيقية والواقعية، وشخصيات كانت قريبة من الناس والمجتمع، حيث أصبح كل بيت ومدرسة ومصنع وحقل وطفل وشيخ وشاب وامرأة أهداف محدّدة تحمل مفاعل نووي وأسلحة محرّمة ، كما أوهمت (أمريكا) العالم بسبب الغزو. ومع هذا الواقع، خلطتْ الروائيةُ الجانب الغيبي والغرائبي، وفوق الواقعي، لتكوّنَ معادلةً تتناغمُ فيها الأحداث وتشد المتلقي. فقد أحدثت في الكتاب الأول إدخال (المشعوذ) في قراءة الطالع والتنبوء للمستقبل. كما شكّل الحُلم والرحلة الى العالم الآخر التي عاشتها (الراوية/ الروائية و نادية)، وكيف التقت مع موتى المحلة ومنهم (جَدّها)، وزيّنت هذه الرحلة نحو العالم الآخر (البرزخ) بحوارات وأسئلة تستدعي المتلقي كي يركّز ويتابع سطورها. وكيف هو مسار طريق العودة والرجوع للحياة.
وأيقنتِ الروائيةُ أن أركان الرواية لن يكتمل إلاّ باضافة ركن مكمّل لما سردت من أحداث في (كتاب المستقبل) الذي شرحَ وفسّر ما حدث، ثم قُلبتِ الأوراق التي ما أراد لها أن تُقرأ، لتظلّ سراً من الأسرار، أو هو (المسكوت عنه). فتوليفة الرواية تقع في نظري ضمن مسار (السوريالية)، لما تضمنته من حبكة أوجدتها الروائية وصنعتها ، وهكذا أضعُ الرواية في الاطار السوريالي، فهي ليست بالرواية التاريخية، وليست من أدب السيرة، ولا هي مذكرات، بناءً على ما وضحّت.
ويظلّ المكان محور العلاقات والبناء الدرامي والسردي في الرواية، فنكهة المحلة ورموزها ورمزية التسميات فيها،أضحت تاريخا يحمل عبق كل حدث، ولكل درب وبيت وجدار وشجرة حكاية ، وبغداد هي الثيمة التي بُنيت عليها الرواية من أولها الى آخرها، ومدى تعلّق الكاتبة بها، وبما تختزنه ذاكرتها من صور وأحلام فيها.
رواية(ساعة بغداد)، توثّق للألم العراقي وما أصاب العراق نتيجة الحروب والحصار الاقتصادي، وما تلاه من غزو عام 2003م. روائية شابة استطاعت أن تجعل من الرواية بوابة لذاكرة عراقية نظيفة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى