أهمية اختيار اللفظة في النسيج الشعري ديوان شُرفات الحنين نموذجاً
أهمية اختيار اللفظة في النسيج الشعري ديوان شُرفات الحنين نموذجاً

أهمية اختيار اللفظة في النسيج الشعري ديوان شُرفات الحنين نموذجاً
سامر خالد منصور
استطاع الشاعر قاسم فرحات في مجموعته الشعرية شرفات الحنين أن يقول الكثير في أسطرٍ قليلة عبر اختياره الدقيق للفظة وتموضُعها في نسيج اللغة والخيال ، ومن قبيل المُصادفة حصلت هذه المجموعة الشعرية الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب ضمن جائزة نزار قباني مُنتزعةً المركز الثاني .. حصلت على تصميم الغلاف الأفضل بين المجموعات الفائزة ، فجاء الغلاف موحياً كقصائد المجموعة ، حيث خط الأفقِ مُنخفض ، أدنى من قامة الإنسان المُتأمل في المدى وهذا عادة يبعث شعوراً لدى المُتلقي بالأمل والحرية ، لكن المدىً الذي احتلَّ مُعظم مساحة الغلاف جاء غائماً ، والغيم فيه كدوّامة ، وبرغم حضور الضوء إلا أنه جاء دون مستوى هامة الإنسان المُتأمّل ولا يرتقي إلى مستوى تطلعاتهِ ، وبرغم حيِّزهِ الضيّق ذاك ، بدا خط الضوء قوّياً ساطعاً .
شكَّلَ تَصميم الغلاف مُعادلاً موضوعياً للثيمات الرئيسة للقصائد ، فجُلُّ القصائد كانت حول الوطن الحنين ، العدوان والسلب والقمع الصهيوني الذي يُصادر مُستقبل الشباب الفلسطيني ، فراق الحَبيب والأرض ..
دقة و تجانس اختيار الألفاظ يُفجِّرُ الدلالة :
يُعرف عن عديدٍ من كبار الشعراء تفكيرهم لوقت طويل بشأن كل لفظة يستخدمونها خاصة إن كانت تلك اللفظة ستتموضع في جزء يشكل قطبة رئيسة في النسيج الدلالي للقصيدة . إن الدقة والبراعة في اختيار الشاعر للفظة ، أهم من دقة وبراعة الجرّاح في قطب جسد المريض ، وقد جاءت خيارات الشاعر قاسم فرحات في هذا المنحى موفقة على نحو ادهشني في عديدٍ من المواضع ، التي سأكتفي بالإشارة إلى بعضها ، كما سأكتفي في هذه العُجالة بتناول أهمية اللفظة من حيث تشكيل المعنى والدلالة وأترك الحديث عن أهميتها من حيث الجانب الموسيقي والإيقاعي إلى مقالٍ لاحق .
مما ورد في قصيدة سوناتا اللهب :
في البدءِ أُقْرِئكَ السلامْ
وأجُسُّ خَطوكَ
كَي أقَدّسَ منهُ جسمَ قصيدتي
يا أنتَ ..
يا رجلاً يسافر في جروحٍ بلادهٍ
ويسبرُ متكأً على كتفٍ الغمامْ
يا رجلاً يُسافر في جروح بلاده توحي لنا هذه الصورة بالألم المُستمر و أن الشهيد باقٍ .
تهوي على جنبيك أشلاء العتب
فتشق أستار المدى
لتشيد مملكة الغضب
لا عتباً كاملاً عليه و مع أن العتب أشلاء إلا أنه ثقيل لذلك استخدم الشاعر الفعل تهوي و في قوله تهوي عليه مزق الكذا أو أشلاء الكذا تصور أنها سترتد كونها هوت و بالتالي هي ليست عليقة بالفدائي و يقول في القصيدة : فتشق أستار المدى ، وهذا يتناسب مع المدى في فلسطين المحجوب بالكتل الاستيطانية و جدار الفصل العنصري فللمدى في فلسطين ستائر ..
نعم الفدائي إنسان لديه نزعة إلى الكمال و هو يختار الموت شهيداً على أن يعيش حياة مَنقوصة فحتى لو كان العتب جُزئيَّاً فهو كفيل أن يُكوِّنَ الغضب كُليَّاً وفي قوله :
يا أنت يا فدائي الخُطى
تأتي و تفرش ظلك العاتي
بأروقة السنين
اختيار الفعل هنا موفَّق ، فلا يتخيل إنسان يقوم بفعل الفرش دون أن يتزامن ذلك مع شعور بالثبات و الاستقرار النفسي و عندما يقول : أروقة السنين و يستخدم كلمة فرش فهذا يوحي بأن الظل ليس على الأرض فقط بل و على جدران الرواق مما يوحي بامتلاء تلك الأروقة بحضور هذا الفدائي .
بينما قال الشاعر قاسم فرحات عندما تحدث عن الفدائي أروقة السنين ذلك أن الفدائي صاحب مشروع و رؤية بمعنى أنه فاعل و لا يرضى أن يكون مفعولاً به بحكم الإباء الذي يستحوذ على شخصيته ، و الفدائي يَعبر الزمان و ليس جامداً تعبرهُ الأزمان و لذلك جاء استخدام الشاعر لتعبير أروقة السنين مُوفقا باعتقادي ، ويتابع في قصيدته قائلاً للفدائي : أمدد يديك إلى يدي ، مُؤكداً أن الفدائي هو الفاعل و المُغيّر للمشهد حيث أنه يمتلك أيادٍ بينما الشاعر و الذي يُمثِّل الإنسان الفلسطيني العادي في الشتات ، لا يمتلك الكثير ، هذه المسائل التي أشرنا إليها تصُبُّ في مضمار الوعي بالعملية الإبداعية .
كما نلاحظ هنا تركيب الصورة الشعرية الموحِّدة بين هو مادي و بين ما هو معنوي ، وتأتي بعض الصور الشعرية على سبيل المُخالفة الإبداعية أو التجريب ، فالجراح حِجاب و غشاوة في شعر قاسم فرحات ، حيث قال : و أقذف جراحك خلف ظهرك.. كي تَرى.. أن الحياة حديقةٌ تنمو على شُرَفِ الأمل .