أخبار عربية

النشاط المسرحي للمُمثلان مَلص نهاية وبداية

النشاط المسرحي للمُمثلان مَلص نهاية وبداية

النشاط المسرحي للمُمثلان مَلص نهاية وبداية

هدى محمود / سوريا

 

الأخوان مَلص كاتبان و ممثلان سوريان شهيران حائزان على تقدير دولي نظراً لجهودهما في المسرح التنويري حيث يمتلكان مشروعاً فنيَّاً متكاملاً وأداءً تمثيلياً رفيعاً ، تم مؤخراً تبني رسمي لعروض و ورشات تدريب مسرحي لهما على امتداد الجغرافيا السورية ، وقد قاما بجزء من هذا المشروع الذي من شأنه دعم الحراك المسرحي السوري بتجربة لها أصالتها ورمزيتها حيث يعرف الأخوان مَلص كرمزين من رومز النضال الفني في وجه نظام الأسد الساقط .

تفاجأت الأوساط الثقافية والإعلامية و رواد فن المسرح من العامة بخبر إلغاء عروض و ورشات الأخوين مَلص لتكون نهاية هذا المشروع وفق تعبير عددٍ من المتفاعلين مع الخبر ، بدايةً وحدَّاً فاصلاً بين مرحلة انتصار الثورة ومرحلة تشكل دكتاتورية جديدة .

 

التفاصيل :

قرر مسؤول في وزارة الثقافة أو بالأحرى ” كلب حراسة ” أسوة بكلاب نظام الأسد الساقط ، يحسب أن مكتبه غرفة إستكلاب ينبح منها قراراته على من يَحسبهم وهو خائضٌ في هذيان حُمى سُعاره الاستكلابي ، أعداء من يَعُدُّهم أسياده ولا يعلم أنه مَحض خادم للفن و أن خَدم ما بعد الثورة السورية التي قامت دفاعاً عن حرية الرأي هم الأولى بالدفاع حتى الرمق الأخير عن حرية الرأي لا الاستكلاب على النخب السورية بذريعة الدفاع عن السلطة المؤقتة الجديد التي لايمكنها إلا أن تتبرَّأ من هكذا سلوك مُشين .

نادراً ما نرى استكلاباً مُعلناً بعد نجاح ثورةٍ بفترةٍ وجيزة ، فذلك أكبر عار يمكن إلحاقه بالسلطة الجديدة فمنطق أن الوزارات ليست ملكاً للشعب وأنها مزارع ومنصات للسلطة ، ومنطق إغلاق باب المزرعة في وجه من ينتقد أو من يعارض ، المفترض أن هذا المنطق ذهب مع حقبة الأسد .

إن كم ما يكشفه هذا السلوك عن ذلك المسؤول هائل جداً :

أولاً : احتقار القيمة الفنية والتعليمية لمشروع الأخوين مَلص برغم إقرارها وتبنيها من قبل وزارة الثقافة وهذا بمثابة بصقة في وجه المعنيين في الوزارة الذين أقروا بضرورة تبني هذا المشروع وبالتالي هذا احتقار للمؤسسة بهامشٍ ما وليس للمشروع الفني فقط .

الابتزاز ، وهو أكثر سلوك اتفقت البشرية على كونه مُشيناً ، وهو يتجلى هنا بأن تتسلط على مرافق عامة ملك للشعب وبُنيت وتمول من مال الشعب وتحجبها عن مُستحقيها في سبيل الضغط عليهم لتبديل آرائهم بما يتناسب مع آرائك .

التعسف في استخدام السلطة : لم يراعي هذا المسؤول وجود أطراف أخرى كالطلاب الذي سجلوا في الورشات والمتلهفين لها ، فحطم طموحاتهم و هدر التفرّغ الصعب في الوقت الذي حققوه بهدف الارتقاء بمواهبهم .

عدم فهم المسؤول للفارق بين النظام و السلطة والدولة .

بالنظر إلى ما سبق يشكل هذا السلوك أول انقلاب جذري مُعلن على الثورة من قِبل مسؤول مُترف كشَّر عن تسلطه باكراً جداً و للمفارقة أنه جاء من وزارة الثقافة التي يجب أن تكون نقيض كل ما سبق .

إن هذا التصرف الأرعن ينم عن عدم فهم الحالات التي توجب توقف الأعمال والمشاريع الفنية التي تتعهد وزارات الثقافة بإقامتها وهي :

ظروف قاهرة : زلازل ، براكين أوبئة .. إلى آخره .

تقصير كبير أو سلوك مشين أخلاقياً من قبل القائمين على المشروع .

فشل المشروع في استقطاب الشريحة المستهدفة بنسبة كبيرة جداً .

وما سوى ذلك هو تعسف باستخدام السلطة .

مؤشرات كبيرة : هذا السلوك إن ” مر مرور الكرام ” يوحي بجهل هرمي ومُركّب حيث كيف يمكن لمسؤول أن يستخدم سلطته لقمع آراء الآخرين عبر ابتزازهم بمنعهم عن المرافق والمنابر الوطنية وتقزيم الوطن إلى رأي أو موقف سياسي أسوة بنظام الأسد الساقط ، هذا ينم عن عدم فهم لمعنى المواطنة ومعنى العمل المؤسساتي وبأن هذا المسؤول يأمن العقاب أو يخال نفسه كذلك ، أي أنه يرى المسؤولين عنه كمنظومة مُختلة جاهلة بالكامل مما يضمن تعطل آليات محاسبته بعد هذه الفضيحة وأن السلطة التي يتبع لها من السطحية بمكان لا تدرك فيه أيضاً أن ممارسة الضغط عبر ممتلكات الشعب على الشعب هو اختصاص الدكتاتوريات العتيدة والتي تكون في معظم الأحيان أذكى من ممارسته في نطاق وزارة الثقافة لحساسية هذه الوزارة من حيث نخبويتها ، وحتى لو افترضنا جدلاً أن دكتاتورية غبية مارست ذلك ، فذلك لا يصح أن يُكرر من قِبل مسؤولي ما بعد ثورة الحرية .

يذكرنا هذا الحدث بحادث مشابه جرى مع أديب وصحفي انتقد تفصيلاً في طريقة إدارة رئيس اتحاد الكتاب العرب البعثي المدعو حسين جمعة ، فحظر توزيع كتابه الصادر عن الاتحاد مع العلم أن الكتاب كلف الاتحاد مبلغاً لا يستهان به لطباعته ، وقد أثارت تلك المسألة ضجة في الوسط الثقافي الدمشقي وكُتب فيها مقالات منها ما حمل عنوان ” رئيس اتحاد الكتاب العرب يعتقل كتاباً ! ” .

وقت تراجع رئيس الاتحاد عن قراره وأنكره على الملأ هرباً من الشَين .

إن النرحسية تجعل المسؤول يهدر المال العام ويسيء لمن أتى به إلى منصبه من حيث يريد أن يدافع عنه ، ويستبدل كونه مؤتمن وخادم للمبدعين بحالة استكلابية لصالح من يراه صاحب مزرعة الوطن الكبرى فيسيء بمنظوره المختل وذهنيته التي تجاوزت البعث و من حيث لا يشعر يسيء أيضاً إلى السلطة وقياداتها التي تسعى لبناء وطن على مسافة واحدة من الجميع دون النظر إلى آرائهم السياسية أو انتماءاتهم وإنما بالنظر إلى إبداعاتهم والدور الاجتماعي الذي يستطيعون ممارسته في سبيل النهضة والتقدم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى