عرب وعالم

أوكرانيا على حافة الهاوية: هل تدفع الدبلوماسية العالم نحو حرب عالمية ثالثة؟

أوكرانيا على حافة الهاوية: هل تدفع الدبلوماسية العالم نحو حرب عالمية ثالثة؟

 

بقلم : نبيل أبوالياسين

 

في أوكرانيا، حيث أصبحت الدبلوماسية استعراضاً للقوة، يتسارع العالم نحو حافة الهاوية. منذ الغزو الروسي في 24 فبراير 2022، تحولت هذه الأزمة إلى اختبار حاسم لقدرة النظام العالمي على منع تكرار كوارث الماضي. وفقاً لتقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان “OHCHR” الصادر في مارس 2024، بلغ عدد الضحايا المدنيين أكثر من 30 ألفاً، بينما قدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي “UNDP” عدد النازحين بأكثر من 14 مليون شخص. هذه الأرقام تتزامن مع فشل مفاوضات إسطنبول في مارس 2022، والتي كانت آخر محاولة جادة لوقف إطلاق النار، مما يضع العالم على حافة الهاوية.

 

 

الضمانات الأمنية.. سباق مع الزمن نحو المجهول

 

في قلب الصراع الدائر، تُشكّل الضمانات الأمنية محوراً للصراع الدبلوماسي. يطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي بتسريع وتيرة العمل على هذه الضمانات لتصبح سارية المفعول قبل توقف الأعمال القتالية، في خطوة تعكس قلقاً عميقاً من احتمال تكرار سيناريوهات سابقة لم تكن فيها الوعود كافية. هذا المطلب، الذي يأتي بعد محادثات مع قادة حلف الناتو، يؤكد على أن كييف لم تعد تثق بالوعود الشفوية وحدها. في المقابل، ترفض روسيا رفضاً قاطعاً أي وجود لقوات أجنبية على الأراضي الأوكرانية، محذرةً من أن أي خطوة كهذه ستُعدّ تصعيداً غير مقبول. هذا التناقض الجذري في المواقف يُظهر حجم التحدي، حيث يُبحر العالم بين مطلبٍ أوكرانيٍّ مشروع بالحماية، وخطوطٍ حمراء روسية قد تُشعل فتيلَ حربٍ أوسع نطاقاً.

 

مفاوضات إسطنبول 2022: عندما أخفق الدبلوماسيون في إنقاذ السلام

 

لم تكن محادثات إسطنبول في 29 مارس 2022 مجرد جولة تفاوضية عابرة، بل كانت اختباراً حاسماً لإرادة السلام. بعد 35 يوماً من الغزو، اجتمع ممثلون عن روسيا وأوكرانيا تحت وساطة تركية، حيث ناقشوا مقترحات تشمل حيادية أوكرانيا وضمانات أمنية. لكن الاتفاقية المنشودة انهارت بسبب تعنت الجانب الروسي حول وضع دونباس والقرم، وفقاً لتقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام “SIPRI”. هذا الفشل لا يزال يُظلِل أي مساع دبلوماسية حالية، فإذا لم يتحلَّ الغرب بالرشد السياسي، ويُذكر العالم بأن الدبلوماسية وحدها لا تكفي عندما تتصادم مع مصالح القوى العظمى.

 

 

“تحالف الراغبين”.. صراع النفوذ بين الإليزيه والبيت الأبيض

 

تُظهر التحركات الدبلوماسية الأخيرة في باريس صراعاً خفياً على النفوذ، حيث يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى قيادة “تحالف الراغبين” لدعم أوكرانيا، بينما يترقب الأوروبيون الموقف الأميركي قبل اتخاذ أي التزامات حقيقية. إن تصريحات ماكرون حول مشاركة 26 دولة أوروبية في “قوة طمأنة” لنشر قوات في أوكرانيا، تهدف إلى إرسال رسالة واضحة إلى واشنطن مفادها أن أوروبا جاهزة، وأن الكرة الآن في ملعب البيت الأبيض. ومع ذلك، فإن تردد بعض الحلفاء مثل ألمانيا وإيطاليا وبولندا، يُشير إلى أن القناعة الأوروبية لا تزال مرهونة بالموقف الأمريكي، خاصةً مع وجود رئيس مثل دونالد ترامب الذي يُنظر إليه على أنه غير متوقع. هذا المشهد المعقد يكشف عن انقسام واضح بين الحلفاء، يُعقد من مهمة التوصل إلى موقف موحد.

 

 

“الناتو” و”الكرملين”.. لغة التحدي والصراع على الأرض

 

في ظل حالة الغموض الدبلوماسي، تتصاعد لهجة التحدي بين حلف الناتو وروسيا، حيث اعتبر الأمين العام للحلف مارك روته أن قرار نشر قوات أجنبية في أوكرانيا لا يعود لموسكو، في ردٍّ مباشر على تحذيراتها. هذا الموقف يعكس إصرار الحلف على دعم حق أوكرانيا في السيادة وتقرير مصيرها، بغض النظر عن اعتراضات روسيا. من جهتها، تواصل روسيا تصعيدها على الأرض وفي التصريحات. فبعد إعلان لندن عن استخدامها لأصول روسية مجمدة لتمويل شراء أسلحة لأوكرانيا، لوّح الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف بالرد بالمثل، مهدداً بالاستيلاء على المزيد من الأراضي الأوكرانية ومصادرة الممتلكات البريطانية. هذا التهديد يؤكد أن الصراع لم يعد دبلوماسياً فقط، بل هو صراع على الأرض وعلى الأصول، حيث يتم استخدام كل ورقة ضغط ممكنة لفرض الإرادة.

 

 

بوتين وترامب.. مفاوضات على حافة الهاوية

 

على الرغم من التوترات المتصاعدة، لا يزال هناك بارقة أمل في الحل الدبلوماسي، وإن كانت باهتة. فبينما يُظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إحباطه من عدم قدرته على وقف الحرب، ويُلوّح بفرض مزيد من العقوبات، يظل الباب مفتوحاً أمام جولة جديدة من المحادثات. في المقابل، يُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداده لإنهاء الصراع عن طريق المفاوضات، لكنه يؤكد في الوقت نفسه على أنه مستعد لإنهاء الحرب بقوة السلاح. هذا التضارب في المواقف يُظهر أن كلا الطرفين يُدركُ خطورة الوضع، لكنهما لا يزالان يتبادلان لغة التهديد والتلويح بالقوة قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

 

 

ختامًا: رهانٌ على العقل في زمن الجنون

 

في نهاية المطاف، يُواجه العالم الآن منعطفاً خطيراً. ففي ظل سباق التسلح، وتصاعد لغة التهديد، وتضارب المواقف، يُصبح الرشد السياسي ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة حتمية. إن كل قرار يُتخذ في العواصم الكبرى، وكل تصريح يُطلق من أي مسؤول، قد يُشعل فتيلَ حربٍ عالمية ثالثة لا تُبقي ولا تذر. وبينما تتجاهل القوى العظمى دروس التاريخ، فإن شعوب العالم هي من ستدفع الثمن غالياً. إن هذا المقال ليس مجعد رصد للأحداث، بل هو صرخة مدوية في وجه من يظنون أنهم يملكون مصير العالم. فإذا لم يتحلَّ الغرب بالرشد السياسي، وإذا لم تتخلَّ روسيا عن منطق القوة – كما حذّر الأمين العام للأمم المتحدة في خطابه الأخير، فإن النفق المظلم لن يكون له نهاية، والضوء الذي يتحدث عنه بوتين سيكون مجرد وهمٍ في مرآةٍ مشوهة. والسؤال المطروح هل سنشهد أخيراً انتصار الدبلوماسية، أم أن العالم سيسقط في الهاوية التي حذّر منها التاريخ؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى