إستقرار الأوطان

إستقرار الأوطان
حماده مبارك
من أهم مقومات العيش الكريم، ونيل القوة والتمكين، والرقي والتعمير ،الاستقرار فى الأوطان بكل أنواعه، وفي كل مجالاته ، ولا سيما في المجالين السياسي والاقتصادي، لأن من شأن اضطرابهما اضطراب حياة الناس، ولذا يكثر في الاستعمال السياسي والاقتصادي استخدام كلمة الاستقرار، ذلك أن الاستقرار ضرورة من ضرورات العيش ، وأدلة ذلك من الشرع والتاريخ والواقع أكثر من أن تحصر.
والبلاد التي تكون مستقرة يفد الناس إليها، ويرغبون فيها، ويبذلون الغالي والنفيس لسكناها، ومن عظيم النعم التي بشر بها أهل الجنة: الاستقرار فيها، وعدم الخروج منها، {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان:24] وفي آية أخرى {خَالِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [سورة الفرقان:76] ولولا أهمية الاستقرار في الجنة عند أهلها لما أغرى الله تعالى عباده المؤمنين به.
ولولا أن نعيم الجنة لا يكدره عند أهلها إلا خوفهم من عدم استقراره لهم لما أمنهم الله تعالى من ذلك، وأزال الخوف عنهم {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [سورة الحجر:48] وكل بلاد تفقد استقرارها، وتضطرب أحوالها، يفر الناس منها، ويفارقونها إلى غيرها، مخلفين وراءهم أحبتهم وأموالهم ودورهم ومزارعهم.. يتركون كل غال ونفيس ينشدون الأمن والاستقرار، ولو شردوا وطوردوا، ولو عاشوا لاجئين عند غيرهم، مغتربين عن بلدانهم، معدمين بقية أعمارهم، فالدنيا بأسرها لا تساوي شيئاً بلا استقرار، فلا قيمة للقصور والدور والأموال والضياع إذا ضاع الاستقرار ،ولا يبقى في البلاد المضطربة إلا من عجز عن الرحيل عنها، ينتظر الموت كل لحظه.
إن الإسلام أمر بالاستقرار والسلام، ودعا للخير والوئام، وحذر من أهل الاعتداء والإجرام، الذين يفسدون على الناس حياتهم، ويعتدون على الأمنين في أوطانهم، فأمر بدفع شرهم، ورد كيدهم، ودحر عدوانهم، قال الله جل وعلا: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُم ْفَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ معَ الْمُتَّقِينَ}، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ على يد الظالم المعتدي، لمنع ضرره عن الناس، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: «تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره”.
وإن من الأشياء التي تساعد على استقرار الدول والأوطان ، الوقوف على مواطن الإخلاص وتوجيه القصد والعزم في العمل طلباً منك للثواب وخشيةً من العقاب وطمعاً في نيل رضي الله قال تعالى ، { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}.
وذلك دون السعي في نيل السُمعة الحسنة دون رياء أو نفاق ، لأنه أوّل من يُحاسب يوم القيامة من العباد يُؤتى بالمنافقين والمرائين يوم القيامة؛ ليكونوا أوّل صنفٍ من أصناف العباد يُوقفه الله للحساب على أعماله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها .
قالَ قاتَلْتُ فِيكَ حتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ جَرِيءٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها.
قالَ تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ وسَّعَ اللَّهُ عليه، وأَعْطاهُ مِن أصْنافِ المالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ فَما عَمِلْتَ فيها قالَ، ما تَرَكْتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها إلَّا أنْفَقْتُ فيها لَكَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقالَ: هو جَوادٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ.فاللهم إن نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار .