ابن أبي ربيعة شاعر الغزل الفاحش

ابن أبي ربيعة شاعر الغزل الفاحش
أحمد صالح حلبي *
يُعرف شعر الغزل بأنه ” الشِّعْرُ الذِي يُقَالُ فِي النِّسَاءِ وَوَصْفِهِنَّ وَالتَشَبُّبِ بِهِنَّ ” ، وينقسم إلى قسمين: غزلي عذريّ ، وغزلي صّريح أو ما يعرف بالفاحش ، ويُسمّيه البعض بالشّعر الإباحيّ ،
” لأنّ مُنشِديه لم يتوقّفوا فيه عن وصف لذّة الوصال بين المرأة والرّجل ” ، وحفل الأدب العربي بمجموعة من شعراء الغزل الذين تحدثوا عن قصص عشقهم التي تناولتها الأجيال ، ومنهم قيس بن المُلوّح ،
والملقب بمَجْنُون لَيْلَى ، والذي اكتسب لقبه لهيامه في حب ليلى العامرية ، وعاش في فترة خلافة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان في القرن الأول الهجري ، وهو أحد القيسيين الشاعرين المتيمين ، والآخر هو قيس بن ذريح ، المعروف بـــ “مجنون لبنى” ، والذي سكن بادية العرب ، وجميل بن معمر المُلقب بــ ” جميل بثينة ” ،
والذي لقب بجميل بثينة لحبه الشديد لبثينة بنت حيان ، وغيرهم من الشعراء الذين هام بهم عشقهم لمحبوبتهم فعبروا عنه بكلمات شعرية حملت جمال الشعر الغزلي العفيف .
غير أن عمر بن أبي ربيعة ، لم يكن شاعرا غزليا عفيفا ، لكنه لُقِب بالعاشق ، واشتهر بشعر الغزل الفاضح ، الذي يصف فيه الشاعر مفاتن المرأة الجسديّة ، وشّعراء هذا النوع لا يستقرّون على محبوبةٍ أو امرأة واحدة ، وابن أبي ربيعة ولد عام 23 هــ ،
وهي الليلة التي توفي فيها الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فسمي باسمه ، ولكون شعره امتاز بالغزل الفاضح ، فقد قال الناس عنه : ” زهق الحق وظهر الباطل لشعر ابن أبي ربيعة المتحرر ،
وتقى ابن الخطاب ” ، وابن أبي ربيعة عاش يتيما ، ونشأ في أحضان أمه ، مما جعله مختلطا بالنساء والجواري ، وكان مرفها فقد ترك له والده الكثير من الأملاك ، ” وتزوج كَلْثَم بنت سعد المخزومية، فأنجبت له ولدين وماتت عنده، فتزوج زينب بنت موسى الجُمَحيّة، فأنجبت له بِشْراً. كان واحداً من الشعراء المجددين الذين أعطوا القصيدة الغزلية ميزات فنية عدة كالقصّ والحوار، وترقيق الأوزان الصالحة للغناء ” .
وإن امتاز شعر ابن أبي ربيعة ” بقدرته على وصف المرأة وعواطفها ونفسيتها وهواجسها وانفعالاتها وميلها إلى الحب والغرام
وكل ما يتعلق فيها وبجمالها وحسنها والتعبير الجاذب لها حتى قيل ما من امرأة لاحظت عمر بن أبي ربيعة يتقرب منها ويصف لواعج حبه لها إلا وقعت في شراك حبه ” ،
ووصفه السيد فالح الحجية الشاعر العراقي المعروف في كتابه (الموجز في الشعر العربي) ، بالشخصية المتميزة بالغرور ، والمعشوق لا العاشق للنساء ، وهذا ما نراه في قول ابن أبي ربيعه عن نفسه :
قالت الكبرى أتعرفن الفتى؟قالت الوسطى نعم هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيمتهاقد عرفناه وهل يخفى القمر
وكان عمر بن ابي ربيعة شخصا ” مستغلا لموسم الحج إذ يرى أنه فرصة للتحرش بالنساء الجميلات ،
فيعتمر ويلبس الحلل والوشي ويركب النجائب المخضوبة بالحناء عليها القطوع والديباج. ويلقى الحاجّات من الشام والمدينة والعراق فيتعرف إليهن ، وقال متمنيا أن يكون موسم الحج مستمرا طوال أيام السنة:
ليت ذا الدهر كان حتما عليناكل يومين حجة واعتمارا
ومن خصائص شِعر عمر بن أبي ربيعة السّرد من خلال تقديم الأحداث بشكل تسلسُليّ مُترابط ، ومُتناغم في نفس الوقت ، مما ساهم في رُقيِّ شِعره .
وسأله الخليفة الأموي السابع، سليمان بن عبد الملك بن مروان ، “ما يمنعك من مدحنا؟ ” .
فأجابه: «أنا لا أمدح إلا النساء».
ويقال أنه رُفع أمر تعرضه للنساء والتشبب بهن، إلى عمر بن عبد العزيز ، فنفاه إلى دهلك ، وهي تجمع جزر في البحر الأحمر قبالة الشواطئ الإريترية قرب مدينة مصوع حاليا ، وعندما تقدم به السن، أقلع عن اللهو والمجون وذكر النساء وتوفي عام 93 هـ.
ويعد ابن أبي ربيعة من زعماء فن التغزل في زمانه ، وواحداً من الشعراء الذين أعطوا القصيدة الغزلية ميزات فنية مما جعلها صالحة للغناء ، لذلك لا غرابة حينما نسمع الفنان الراحل طلال مداح ، أو محمد عبده ، وهما يغنيان أغنية قف بالطواف والتي تقول كلماتها :
قف بالطواف ترى الغزال المحرما
حج الحجيج وعاد يقصد زمزما
عند الطواف رأيتها متلثمه
للركن والحجر المعظم يلثما
أقسمت بالبيت العتيق لتخبري
من انت قالت من سلالة أدما
الاسم سلمى والمنازل مكة
والدار ما بين الحجول وغيلما
قلت عديني موعداً أحظى به
وأقضي به ما قد قضاه المحرما
فتبسمت خجلاً وقالت يا فتى
أفسدت حجك يا محل المحرما
فتحرك الركن اليماني خشية
وبكى الحطيم وجاوبته زمزما
لو أن بيت الله كلّم عاشقاً
من قبل هذا كاد أن يتكلما
وغنت له فيروز ” ولا قرب نعم ” التي تقول كلماتها :
ولا قرب نعم إن دنت لك نافع ولا نأيها يثني ولا أنت تصبر
إذا جئت فأمنح طرف عينيك غيرنالكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر
كاتب سعودي *
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com