ثقافة وفن

توفيق طارق..وريادة الفن في سورية

توفيق طارق..وريادة الفن في سورية

توفيق طارق..وريادة الفن في سورية

الصحفية – نداء الدروبي:

تعود لذاكرتنا صورالفنان الرائد (توفيق طارق) صاحب الريشة الأنيقة والألوان ذات الدرجات النضرة والقيم التشكيلية الرائعة، والابتكارات المدروسة. ونقف طويلاً أمام رسومه وحياته الفنية الرائدة التي طالما أحببناها وعشنا في تفاصيلها ودقائقها، وظلَّت راسخة في أعماق أرواحنا الكامنة وراء الخطوط والألوان.
ولد الفنان المؤسِّس توفيق طارق في كنف أسرة رفيعة المستوى من الضباط العاملين في الدولة العثمانية عام (١٨٧٥) لأب تركي وأم سورية في حي السمانة بدمشق، وتوفّى والده وهو لم يبلغ الخامسة من عمره.
بدأ طارق الرسم منذ نعومة أظفاره، وكانت موهبته الفطرية واضحة.. حيث أتمَّ دراسته الأولى في الثانوية الشاهانيَّة في استانبول، ثم انتسب إلى مدرسة الرشيد العسكرية عام (١٨٨٣)، بعد ذلك تابع دراسته في أكاديمية استانبول العسكرية، التي تعرَّف فيها على الرسم الزيتي، وأُجبر كغيره لخدمة الجيش العثماني كما الآلاف من الشبَّان للالتحاق بالخدمة، فحمل رتبة مرشّح بعد أن درس التربية العسكرية في استانبول؛ ولم يُغره هناك استعمال السلاح والحياة العسكرية الصارمة بل أحبّ الرسم الزيتي…
هو من الدمشقيين، المُتمرِّدين على العثمانيين، إذ شاكس أهل الحجاز، وقيل: إنه أغضب السلطان عبد الحميد، وكان أوَّل من زرع قواعد الفن التشكيلي في سورية ووضع أسسه، كما يعتبر فناناً ومصوِّراً وفلكيَّاً.
كان بإمكانه أن يكون «بيك أو باشا» برتبة عسكرية مرموقة مثل عائلته؛ ولكن بعد اعتقاله لنشاطه الوطني للتخلُّص من الاحتلال العثماني أرسلته والدته على نفقتها الخاصة لتدريس الهندسة المعمارية وهندسة مساحة الأراضي (الطبوغرافيا) في فرنسا، وبالفعل درس هناك لمدة سنتين، ثم حصل على شهادتين في ذلك، ورجع عام (١٩٠١) إلى دمشق وهو في العشرين من عمره ليعمل في ترميم المباني الأثرية والمآذن، وتدريس مادة الفن داخل منزله الكائن في الجسر الأبيض بدمشق، كما عمل في مشروع فني لم يلقَ التأييد الكبير من المجتمع الدمشقي المحلي بسبب بُعده عن الفن التشكيلي ومدارسه واتجاهاته، فضلاً عن موروث ديني وثقافي يراه حراماً حيناً وبلا فائدة حيناً آخر.
كانت حياة الفنان أقرب إلى المشاغبة والتمرُّد لا تمضي من دون مواجهات، لذا أمضى توفيق طارق معظم أوقاته في رسم اللوحات والوقائع التاريخية والمناظر الطبيعية وأحياء دمشق والأوابد والمعالم الحضارية والصورالشخصية بأسلوب كلاسيكي، إضافة إلى عمله الأساسي في مجال الهندسة والترميم عندما عمل مستشاراً في وزارة الأوقاف ورمَّم بعض المآذن القديمة.
وهكذا عمل لفترة طويلة في مديرية المساحة والتحسين العقاري في بيروت، ثم انتقل إلى دمشق بعد افتتاح مديرية المساحة فيها، وأشرف على ترميم بعض المآذن مثل مئذنة (قايتباي) في الجامع الأموي بدمشق التي أعاد تشييدها بعد الضرراللاحق بها نتيجة حريق نشب داخل الجامع في أواخر القرن التاسع عشر…
صمَّم طارق مبنى وزارة السياحة حالياً، وهو من المباني الرائعة على ضفاف نهر بردى في شارع فكتوريا، ويعتبرآخر مباني العثمانيين، كما أسَّس نادي الفنون الجميلة في سوق ساروجة، وظهرت بعض أعماله في متحف الفنون البدائية داخل باريس في ثمانينات القرن الماضي، كما صمَّم شارع النصر في مدينة دمشق، ورمَّم فسيفساء الجامع الأموي، فانتشرت لوحاته الفنية في إدارات ومتاحف دمشق ومنها: (معركة حطين الذائعة الصيت والموجودة في القصر الجمهوري، وحريق صيدا، ومجلس المأمون، وأبو عبد الله الصغير، والحجيج ومحمل الحج).

رائد التصوير الزيتي التسجيلي في العصر الحديث
شغل توفيق طارق منصب نقيب المهندسين في سورية، وعلَّم الأجيال فنَّ الرسم والعمارة، وتتلمذ الكثيرون على يديه منهم: (زهير الصبَّان، خالد العسلي، أنورأرناؤوط).
في حين توضَّح حبُّه للزخارف الإسلامية، وكان نهضوياً اتباعيَّاً واقعيَّاً حيث جسَّد كلَّ ما يحيط به في أشكال وألوان وأضواء بذاتية فريدة، إذ أحبَّ المدرسة الانطباعية في أواخر أيامه لما تحمل من تعابير سريعة.
سافر الفنان إلى الحجاز، وحاول هناك أن يرسم الحجرة النبوية، ولم يستطع أن يصنع مرسمه في ذاك المكان المقدَّس، ولكنَّ الصور ظلَّت محفورة في ذاكرته بتفاصيل رائعة ليعود إلى مدينة دمشق ويُجسِّدها في لوحاته.
كان التشكيلي طارق أحد أوائل الفنانين ذوي التأثير الكبير في العصر الحديث، إذ أدخل التقنيات الأوروبية الرسمية إلى سورية أثناء الاحتلال العثماني، مُبتعداً عن الفنون التقليدية المتدهورة، واعتمد على معرفته لمناقشة الحداثة والسياسات الإقليمية في ذاك الوقت.
عمل توفيق مدرِّساً في فترة الاستقلال، وقد تبنَّى أسلوبه فنانون عدة جاؤوا بعده.. منهم: (عبد الوهاب أبو السعود، سعيد تحسين، غالب سالم)، وكان تأثيره ليس فقط في مجال التقنيات، ولكن أيضاً في توفير الوعي بالتراث الثقافي ومنصّة للمشاركة السياسية، كما أسَّس نادي الفنون الجميلة، والذي كان أحد أوائل الأماكن المخصَّصة للفن في مدينة دمشق.. في حين أنتج الفنان صوراً وزخارف معمارية ومناظرطبيعية تُصوِّر مشاهد مستلهمة من الحياة اليومية والطبيعة وأحياء مدينة دمشق القديمة.. ورغم أسلوبه في الرسم إلا أنه كان يتَّبع الواقعية الأوروبية، كما أشار المؤرّخون إلى عناوين أعماله باعتبارها تعكس وعياً اجتماعياً سياسياً، فضلاً عن الإيديولوجية القومية.
ويعتبر توفيق طارق رائداً لمصوِّرين آخرين مزاحمين مثل: (ميشيل كرشة، عبد الوهاب أبو السعود)؛ لكنَّه كان شديد النقد لأسلوب معاصريه؛ ومتسامحاً مع طلابه والمصورين الناشئين، وكان منهم فنانات مصوِّرات.. مثل: (رمزية زنبركجي) أوَّل معلمة للتربية الفنية في ثانويات البنات بدمشق.. من أشهرأعماله: (معركة حطين) حسب رأي معظم النقَّاد ومتذوقي أعمال الفنان توفيق طارق التشكيلية، حيث انتهج فيها أساليب الفنانين الفرنسيين، وصوَّر بطولة عمر المختار في لوحة عُرضت في حفل تأبينه المُنَظَّم بدارالأمير (سعيد الجزائري عام ١٩٣١م)، ويعتبرالفنان توفيق أحد أهم الفنانين المؤثِّرين في الفترة الحديثة، إذ عمل على نقل تقنيات الرسم الأوروبية إلى سورية في فترة الاحتلال العثماني، مبتعداً عن الفنون التقليدية الآخذة بالانحسار إبان تلك الحقبة، كما لم يبخل بنشر معرفته واستخدامها لمناقشة موضوعات تخصُّ الحداثة والسياسة في المنطقة وقتذاك.
إنَّ أهمَّ ما يُميِّزالحياة التشكيلية السورية غناها بالاتجاهات والتجارب، لأنَّ الدولة لم تُشجِّع اتجاهاً دون سواه.. ولتعدُّد الحواضر التي درس فيها التشكيليون السوريون، واتساع صلتهم مع التجارب الفنية في أنحاء العالم، وميل الفنان السوري للبحث والتجريب والتجديد واستلهام التراث الإبداعي الثري لحضاراته ولحضارات شعوب العالم.. وثمَّة إجماع على تسمية توفيق طارق رائد الفن التشكيلي المعاصر.
توفّى الفنان في بيروت عام (١٩٤٠)، ثمَّ نُقل إلى دمشق ليُدفن في قبر رخامي صمَّمه لنفسه كي يضمَّ رفاته بعد مماته، وقامت الحكومة السورية عام (١٩٦١) بإنشاء متحف يحتوي ما أمكن جمعه من لوحات الفنان وآثاره المهمَّة، تاركة بصمة لن تُمحى على مرِّ الزمن.

الرسم الأوروبية إلى سورية في فترة الاحتلال العثماني، مبتعداً عن الفنون التقليدية الآخذة بالانحسار إبان تلك الحقبة، كما لم يبخل بنشر معرفته واستخدامها لمناقشة موضوعات تخصُّ الحداثة والسياسة في المنطقة وقتذاك.

إنَّ أهمَّ ما يُميِّزالحياة التشكيلية السورية غناها بالاتجاهات والتجارب، لأنَّ الدولة لم تُشجِّع اتجاهاً دون سواه.. ولتعدُّد الحواضر التي درس فيها التشكيليون السوريون، واتساع صلتهم مع التجارب الفنية في أنحاء العالم، وميل الفنان السوري للبحث والتجريب والتجديد واستلهام التراث الإبداعي الثري لحضاراته ولحضارات شعوب العالم.. وثمَّة إجماع على تسمية توفيق طارق رائد الفن التشكيلي المعاصر.

توفّى الفنان في بيروت عام (١٩٤٠)، ثمَّ نُقل إلى دمشق ليُدفن في قبر رخامي صمَّمه لنفسه كي يضمَّ رفاته بعد مماته، وقامت الحكومة السورية عام (١٩٦١) بإنشاء متحف يحتوي ما أمكن جمعه من لوحات الفنان وآثاره المهمَّة، تاركة بصمة لن تُمحى على مرِّ الزمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى