مقالات

“شعيبية” سيرة امرأة سلالية – بقلم / مجيدة الفلاحى

“شعيبية” سيرة امرأة سلالية

بقلم / مجيدة الفلاحى
الذكر في قبيلة الشعيبية وفي كل القبائل العربية، مقدس حتى وإن أتى بالكبائر السبع، والأنثى عقرب لا تُقرب، حتى وإن كانت بزهد رابعة العدوية. تُستثنى منهن أم ” الذكرالفحل “، فهي أشرس المدافعات عن حِمى الذكور، وأكثر المنتقدات لحق الإناث. إنها سوط الذكور المسلط على الإناث.
وعت الشعيبية أنها تعيش تحت حكم القبيلة وسلطان أعرافها، قبيلة لا تعبأ بها وبأخواتها، ولا بسائر الإناث المستضعفات مثلهن. فحظ المرأة طفلة، ويافعة، وشابة، وكهلة، ومسنة هو الإقصاء والمهانة والخنوع والخضوع والإذلال، وتجرع مرارة الألم والحسرة، وسوء المآل، إلا إذا كانت ” أم الذكر الفحل” فتصبح حينها أهلا للمشورة، وإبداء الرأي، والتسيير والتدبير، وتكون ــ يا للمفارقة العجيبة ـ المرأة أول ضحاياها.
تعرف الشعيبية أن ما تعيشه وبنات جنسها من قهر وإقصاء، ليس وليد اليوم، ولا وليد الصدفة، بل هو استمرار لماض أقدم منها، وأقدم من أمها وجدتها أيضا، وهي اليوم تشاطرهن بعض ما طالهن من استبداد القبيلة، وتروي أحداث معاناتهن جميعا بأدق تفاصيلها.
حين تعود شعيبية لهذا الماضي، تحضرها صور نساء قبيلتها، منزويات في ركن، سيجت حدوده بقضبان من الاستعباد والظلم والإهانة، مقابل الفضاء الفسيح المريح الذي تمتد فيه سلطة الذكر وتعلو سطوته.
صور الغبن والتمييز الذي عاشته في طفولتها تأبى أن تفارق خيالها، وهي تسترجعها كلما ضاقت بها الدنيا، وتعثرت في طريق تحقيق حلمها.
تتذكرشعيبية فرحة والديها الكبيرة بازدياد شقيقها “سيدالضاوي” (…)
وتتذكر شعيبية والدها، وهو مرفوع الهامة يكاد يلامس بها عنان السماء، مفتخرًا أخيرًا بحرثه وزرعه الذي أتى أكله، ذكرا فحلا، مسح العار الذي لحقه لسنوات طوال، بسبب إنجابه للبنات فقط. الشيء الذي كان كافيا لتلطيخ سمعته، وتمريغ فحولته في التراب. أخيرا، انفرجت أسارير وجهه، وعلاها الفرح والإنشراح، عوض التجهم والعبوس الذي لازمه لسنوات.
حين تتراءى لها صورة والدها تقول بشوق دفين:
” “با” حبيبي مسكين، الله يرحمو ويوسع عليه في هاذ نهار، قولي آمين، ولا ديما فرحان، خارج فرحان، داخل فرحان، بسبة ومن غير سبة، من نهار تزاد خويا ” سيدالضاوي”، وناس لقبيلة تحمدو على السلامة، بحال يلا كان مسكين متهوم، وشادين عليه شي موتيف، وخرج براءة.
“سيدالضاوي” غير كمل العام، ولا “با” يديرو فوق كتفو، خارج داخل بيه، يديه معاه لرض، ويديه معاه للسوق، يفرح بيه ويقولو: (هاهو لفحل لي غايهز سمية، هاهو لفحل لي غايزرع لرض، ها هو لفحل لي غيحمي لحد)، ودادا ومي وحنا الطفلات نردوعليه (ها هووالله حتى هو‼)
“با” رباه يكون فحل، ويكون قلبو قصح من لحجر، ولي شافها ديالو “.
كما تتذكر شعيبية باستغراب كيف اختفت مسحة الغم من على وجه أمها، وهي التي كانت تعتقد وهي طفلة، أن الأمهات خلقن هكذا متجهمات، لايضحكن ولايبتسمن حتى ! وكيف تحول انكسارها إلى اعتداد بنفسها، وفخر ب”سيد الضاوي” الذي أصبح هو المراد، ونور الحياة وضوؤها، والأصل في وجودها. وتعتقد عن حق أنها مدينة لميلاده الذي أنقذها من وضعية الدونية والإحساس بالقهر. لقد تخلصت أخيرا من وصمة العار التي لاحقتها سنوات طويلة لأنها كانت لا تنجب إلا الإناث.
الجدة أيضا، والتي كانت الشعيبية تناديها “دادا ” تغيرت حالها بميلاد “سيد الضاوي “، وأصبحت تعامل أمها بشيء من الآدمية والاهتمام، وعلت البسمة وجهها، وقل صراخها، وخفت صوتها. وحدها الشعيبية كانت تنتقل من مفاجأة إلى مفاجأة، مستغربة وغير مصدقة لهذا التغيير الذي أحدثه ميلاد هذا الذكر في حيوات أفراد أسرتها جميعا. أي هالة من التقديس تلك التي رافقت ميلاده، وأي سحر هذا الذي رسم الفرح في النفوس وعلى الوجوه ؟
سحر وتغيير لمسته ولاحظته وهي طفلة، لكنها لم تستوعب سببه ومغزاه ولا أبعاده وغاياته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى