قراءة تحليلية للعرض المسرحي ” قصة حديقة الحيوان “
قراءة تحليلية للعرض المسرحي " قصة حديقة الحيوان "

قراءة تحليلية للعرض المسرحي ” قصة حديقة الحيوان “
بقلم .سامر خالد منصور / سورية
امتاز العرض المسرحي (قصة حديقة الحيوان) بطولة عبد الرحمن أبو القاسم ومحمود خليلي إخراج حسن عكلا نص إدوارد ألبي .. امتاز بالتصاعد الدرامي المدروس والمتزامن مع اتساع دائرة التناول لمسألة الطبقية في المجتمع كلما تقدم بنا العرض.
تهب الأقدار من تشاء أسرة ثرية وتهب من تشاء أسرة فقيرة وتظلل من تشاء بالخيرات وتيتم من تشاء من الأطفال.. حديثٌ بادر به رجلٌ يٌدعى جيري مع رجلٍ يكبره سناً يُدعى بيتر في حديقة عامة وسرعان ما تبين للمشاهد أن بيتر من الطبقة المرفهة في الولايات المتحدة الأمريكية ويعيش حياة مستقرة ويقتني ببغاوين ويحب قراءة الروايات العالمية ، بينما جيري من الطبقة الكادحة وقد تنبأ جيري لبيتر بأنه سيكون في الغد يقرأ في الصحف ويشاهد في التلفاز أمراً جللاً ثم يشرع جيري في سرد قصة حياتهِ حيث أنه طفلٌ يتيم الأبوين منذ سن العاشرة عانى في الحياة كثيراً واستقرّا به الأمر في شقة صغيرة في مبنى قديم ومتهالك على أطراف المدينة تمتلكه سيدة شبقة تثمل وتتحرش به باستمرار ومشكلة جيري الرئيسية أن السيدة تمتلك كلباً أسوداً مخيفاً يعترض طريقه في معظم الأحيان.. لم يُرد بيتر تصديق جيري وقال له لا أريد سماع حكايتك ، وشخصية كشخصية هذه السيدة ليست موجودة سوى في القصص والروايات.. ولكن عندما صارح جيري بيتر بأنه سعى للتخلص من الكلب الشرس ، ذهل بيتر وبات يريد سماع بقية القصة ليعرف مصير الكلب المسكين ، وبدى بيتر عموماً مهتماً بما هو فوق الإنسان (الله) وما هو تحت الإنسان (الحيوانات) أكثر من اهتمامه بالإنسان الذي أمامه.. فاعتبر جيري مجرماً وتعاطف مع الكلب كثيراً.. ثم تحدث جيري عن تسميمه لطعام الكلب وشعوره بالوحدة بعد ذلك كونه كان يعيش غزلة مطبقة وكون الكلب كان الكائن الوحيد الذي يحتك به بشكل يومي ومستمر لكن الكلب نجى من الموت وعاد يعترض طريق جيري كما في السابق ، يحاول جيري جعل بيتر يتخلى له عن كرسيه في الحديقة (ذلك الكرسي الذي لايمتلكه أحد ويصير بيتر على الاستئثار به) فبيتر اعتاد الجلوس عليه لسنوات.. يدور صراع ويفتر عندما يتخلى بيتر عن الكرسي عندما يهدده جيري بالنيل من صورته الاجتماعية ، وتنتهي المسرحية بكشف جيري عن كونه انتحاري وبأن ما وعد به بيتر من كونه سيرى قصة مثيرة في صحف الغد.. ما هي إلا مسألة انتحاره.. حيث نازع جيري بيتر على مقعده ثم أجبره على حمل السلاح (سكين) ضده في سبيل أن يحافظ على مكانه ويتقي شره وسرعان ماقتل جيري نفسه بيد بيتر.
إنه الحياد جريمة ، والسكوت عن الخطأ يقود إلى تفاقمه وعندما لاتسمع سوى صوت الببغاوات ولا تؤمن بوجود الخلل الكبير والشخصيات الغريبة أو المريضة في المجتمع إلا في صفحات القصص والروايات فأنت بحيادك هذا ولامبالاتك تسهم في حدوث الجريمة وتترك من يمثلهم جيري من المضطهدين والبؤساء ليصبحوا مجرمين ثم انتحاريين قادرين على جعلك تكرههم إلى حدٍّ ما ، ثم تتطور الأمور فتبعدهم عنك ثم تحمل السلاح ضدهم وتقتلهم عندما يقتحمون حياتك ويحاولون أخذ مكانك أو (مكانتك الاجتماعية) وتشعر أنهم خطرٌ عليك.
إن في هذا العرض إشارة إلى ضرورة أن يؤدي كل مواطن دوره في صيانة المجتمع ولعل الحديقة العامة هي أكثر مكان يجمع أناساً من مختلف الطبقات الاجتماعية فالأثرياء يرتادون أماكن وأسواق فاخرة لايستطيع الفقراء ارتيادها وهم حتى يمتلكون وسائل مواصلات مختلفة ويتعلمون في مدارس خاصة.. إلخ
نجحت المسرحية التي صمم أشرف عكلا ديكوراتها وكانت الإضاءة فيها لبسام حميدي في تصوير حالة ال(ستاتيك) واللامبالاة التي تهيمن على معظم أبناء الطبقة المرفهة ورمز الببغاوين ورفض بيتر الاستماع إلى جيري عندما بدأ يغوص في عمق معاناته الإنسانية إلى كون تلك الطبقة لا ترغب إلا في سماع صدى ماتردده في الحياة وعن الحياة ، في حين الصراعات والاضطرابات النفسية تولد أزمات لانهاية لها في الطبقات الدنيا من المجتمع والأذى يتصاعد حتى يمتد إلى الجميع.