شعر و ادب

قراءة في المجموعة الشعرية ” في شُرفة من أحجيات القلب “

قراءة في المجموعة الشعرية " في شُرفة من أحجيات القلب "

قراءة في المجموعة الشعرية
” في شُرفة من أحجيات القلب “

كتب . غنى خالد منصور

حضرت في المجموعة الشعرية ” في شرفة من أحجيات القلب ” الصادرة عن دار عرب للشاعرة وليدة عنتابي قصائد تتناول العديد منها الجراح الساخنة لأمتنا العربية فكان فيها الياسمين والنخيل كأهداب ٍ على أجفان جرحنا ماطر المدامع ، جُرحنا المُحدِّق ِ في ضمير العالم الذي تغافل جزءٌ منه عن آمالنا السفيحة وتواطأ جزءٌ آخر منه على دماءنا حتى أضحت مسفوكة.

– ” والكون يولِمُ في اختلال النبضِ مأدبة الفناء.”
– ” فانبعث أيها الزمن القتيل .. واستردَّ اليومَ من كفِّ الدخيل” .
وقتٌ تعمم بالقاذفات
وجلبب شمساً بالراجمات
سأطلقُ من أسرِ روحي مداك
وأرقي سماءك بالأغنيات
ومما جاء في قصيدة ” سيّد البصيرة ” حول الحرب التي تهدف إلى سلبنا ثرواتنا ووحدتنا وجعلنا نخرج عن السياق الزمني للتقدم الحضاري إلى دوامات العبيثة :
وقتٌ تفلَّتَ من عقالهِ
وقتٌ يؤاكلُ في غياب الزادِ
غثّاً من خبالهِ
وقتٌ يُجنِّدُهُ الخرابُ
إلى زوالهِ
ومن قصيدة ” إنما يشفي الصُداح ” :
أيها الأفقُ المُغطى بالأسى ،
مُطفئاً كلَّ النجوم ..
والمدى الأعمى ذهول
واللهيبُ الشيخُ يكبو
في مجاليه الرؤوم..

ومن اللافت هنا تصويرها للهيب في هذا الجحيم العربي الذي طال أمده ، حيث شبهتهُ بالشيخ الذي رغم كبوته إلا أنه يكبو في مجاليه الرؤوم التي ستحفظه وتُنهضهُ مُجدداً.
تُحيلنا قصائد الشاعرة عنتابي إلى سؤال: ألا يُفترض أن تكون الشاعرات أكثر تفوق إبداعياً من معظم الشعراء حول المآسي التي مرَّ بها وطننا الحبيب وسائر البلدان العربية ؟ حيث للأنثى رهافة وطبيعةٌ حالمة وتضحياتٌ عظام في سبيل الأسرة والتنشئة مما يجعلها ضحية الأشجان أكثر من سواها.
أنت يا وجدي المُبعثر
حينما الكشفُ قناعٌ
بالقَناعاتِ تسمّر
يجتوي عُمري السؤال وأستقيل
كلُّ ما في جُعبة الأحلام عيل

– ما بعد الحداثة وما قبلها:

تنوعت موسيقى القصائد وقوافيها بين تفعيلاتٍ تناسب مواضيعها والتي جاءت معظمها ذات طابع وجداني حتى تلك التي انتهجت فيها الشاعرة شيئاً ما بين المدرسة الصوفية ومذاهب ما بعد الحداثة التي تجسد ظاهرة ” اللامنتمي ” الذي يبحث عن المعاني الكبرى ليجد ذاته وانتماءه .

وقد حذت الشاعرة وليدة عنتابي حذو شعراء مذاهب ما قبل الحداثة في مناحٍ عدة كاختيارها للألفاظ الجزلة والطريقة التي صاغت فيها بعض التراكيب ولكنها من جهة أخرى نحت نحو الحداثة وما بعدها فلم تُقدم المواعظ والحِكم عبر قصائدها ولم تجعلها كخلاصة تجربتها في الحياة ، تُقدَّم على طبق من ذهب للقارئ

كما اعتاد شعراء العرب في العصور السابقة ، وإنما تبنَّت مبدأ أن القصيدة رحلة محفوفة بالقلق والارتياب بحيث تُعبِّرُ خلالها ” الذات الشاعرة ” عن قلقها وتشحن المُتلقي بذلك القلق المُحفّز للتأمل وتطرح خلال ” القصيدة الرحلة ” الأسئلة وتفتح آفاقاً متعددة للإجابات في بعض القصائد وتترك القارئ عالقاً في غابات التساؤلات في قصائد أخرى وهي تساؤلات مرتبطة بالبُعد الميتافيزيقي للذات وللوجود في معظم الأحيان أي أن معظم قصائد المجموعة الشعرية ” في شُرفة من أحجيات القلب ” هي رحلة للبحث عن الذات ومعنى الوجود بنطاقٍ واسعٍ لهذين المفهومين.
من قصيدة ” للّذي يأتي ” :
للّذي يأتي ولا يأتي ارتكاساً للرّدى
وانقلاباً في الصدى
تستحيلُ الأزمنة
وتغورُ الأمكنة
أوقدُ الحرفَ مناراً
ولتدر كل القباب
ليواريها الغياب
أيها الآتي جواباً
رُدَّ ماسي
من مهادنة النُحاس
وارتقِ فوق الحواس
فأثيري غادر الجسم المُعنّى
لمدارات السماء.

– ومن معالم الرهافة التي جَلتها قصائد المجموعة الشعرية ، الغموض الذي يكتنف الآخر في بداية العلاقة الغرامية ، وكيف تكون الفتاة في تلك المرحلة قادرة على التقاط أصغر أفعال وأبسط تعابير الحبيب ، وأثر تلك الأشياء الكبير في عوالمها النفسية ، ولأن هذا الأثر يبقى دون تفسير عقلي فذلك يجعل الأمر يبدو كأحجيات يصوغها القلب.

– ” نتبادل الدهشات ، رفرفة الحواس.”
استثمرت الشاعرة عنتابي الجناس الناقص على أجمل وجه إلا أنها لم توفق فيه في مواضع قليلة مما أثَّرَ على القصيدة عموماً.. قصيدة ” زبد ” مَثلاً .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى