
قصة قصيره غربة
بقلم . رويدة يحيى خميس
تركها في وجه الرياح دون كساء يغطي جسدها ،زرع وردة ونسي أن يسقيها فذبلت ثم انكسر غصنها …تركها وحدهامنتصف الطريق بلا شيء،على صوت الذئاب وسط غربة قاسية جارفة لا ترحم ،وسط أناسٍ لا يعرفون معنى الحنان ،غادرت تلملم ظنونها الخائبة في حقائب وأحلامها المطوية في مخيلتها والتي لم يتحقق منها شيء ..همومها التي تتزايد يوما بعد يوم ،أم لثلاث أولاد ذكرٌ وابنتان مرمية وسط شوارع الغربة على صوت بكائها يرقص ،على جدران قلبها الممزق يبسط جناحيه ،لقد قدمت له كلُشيء نفسها …روحها..وأغلى ما تملك لتجعله إنسان بمشاعر…بقلب …ببضعة حنان لكن لا فائدة ،قد عمَّ قلبها الحزن لتجعله سعيدا ً،وأهلكت نفسها لتجعله مرتاحا ..كسرت نفسها ليبقى شامخا ..بسطت له جناحيها فطار بهما وتركها مكسورة الجناحين ،جعلت من نفسها وردة له فقطفها ثم استنشقها ورماها على رصيفٍ مظلم ٍ،عادت بحقائب الحزن وأكياس الخيبة ،جسد نحيل،دموعٌ تنهمر ،قلبٌ فارغ من كل شيء …روح متعبة ضاعت في طيات السفر والغربة ،أعطتهُ روحها وقالت له:إلى أين تسير أنا أسير …،ذات صباح عندما فرشت الشمس عباءتها الذهبية على الكون ولملم القمر حقائبهُ
– استيقظ يا حبيبي أما حان موعد الدوام ..لقد حانت السابعة والنصف ،قم واجلب لأولادك بعض الطعام
-كفي عني لا أريد عملاًولا شيء كفي عني أريد أن أنام
-يا عزيزي لا يوجد في ديارنا حتى كسرة خبز وأولادنا ناموا ليلة أمسٍ وهم جياع ..قم يا أحمد أرجوك …
-أقول لكِ دعيني ألا تفهمين يا أمرأة
-لا حول ولا قوة إلا بالله ..يا ألهي ماذا أفعل ؟؟
كان أحمد رجل اتكالي إلى حد ما لا يريد أن يعمل ويجد ،يريد أن يأتيه المال والطعام وهو جالس في بيته ،كانت سميرة دائماً تقدم لهُ كل شيء وأهلها لسميرة يسكنون بالقرب منها وكانوا دائما ًيعرفونه حق المعرفة ،فكانوا يزودونها بالطعام من أجل الأولاد
سميرة لم يكن لها ذنب أبداً لكن حظها العاثر لم يصدق معها يوماً،كانت كل يوم تأتي بالطعام وتصحو باكرا وتذهب إلى الفرن وتأتي بالخبز لأولادها وهو نائم وضميره في غيبوبةٍ طويلةٍ،لقد تذوقت معه طعم المر وجربت ألم الحياة الحقيقي عندما تشعر أنها مجرد خادمة فقط ليس لها مكانة أخرى ،كانت لأولادها الأب والأم والمربي والمدرس وكل شيء وهو لم يكن إلا كومة لحم مرمية على السرير وجسد بلا روح وإنسان قد مات ضميره ،لم تشعر يوماً أنها فعلاً زوجة له كانت دائماً تشعر وكأنها شيء بلا قيمة ،بلا فائدة يجب عليه تحمل الكثير والكثير من الهموم والمشاكل دون تعب أو ملل لقد عيشها في عالم البؤساء فعاث في حياتها فساداًكالعدو الذي يحتل الأرض بلا رحمة ،لكن كل يوم كانت على أمل أن يتحسن ويدرك قيمتها ويحس بمعاناتها وكانت تظل صامتة من أجل الأولاد وأن ينعموا برغيد الحياة تحت ظل أبٍ وحنان أمٍ فالذنب ليس ذنبهم ،في ليلة مقمرة عندما حلَّ المساء جلست سميرة صلت صلاة تتوسل بها إلى الخالق ،جلست تراجع ما حدث معها طيلة حياتها متحسرة على ما فات من حسرات ودمعات تتلوها خيبات ،أخذت تحدق في المرآة وتتساءل أين عينايَّ البراقتان؟؟أين روحي المرحة التي كان يحسدني عليها الجميع ؟لقد اختفى كل شيء ،وبلحظة يا لها من لحظة سمعت سميرة صوت ضجيج يدق الباب …
– من أنت ولماذا تطرق الباب بعنفٍ كهذا ؟؟
-افتحي لي الباب يا حمقا..أفتحي ..
فتحت له الباب ويداها ترتجفان وقلبها تتخابط دقاته دقةً بدقة ،فهجم عليها هجمة الذئب الماكر وانقضَّ عليها وباشر لها بالضرب المبرح وصراخهما حلَّ المكان وياله من رجلٍ بلا قلب
استيقظوا الأولاد على صوت صراخ الأبوين ،فتحدثت ليلاس قائلة وهي تبكي:لا لا أرجوك أمي ،كفاك يا عديم الرحمة لقد أشبعتها قهراً وعذاباً،فمنذ أن ولدت لم أعرف شيئاً عنك سوى قسوتك الظاهرة وعذابك المؤلم ..
-اذهبي كفاكِ فلسفةً..اذهبي أيتها الفصعونة
ثم اشبعها ضربا ًوخرج غاضباًوأغلق الباب ،ثم انهارت سميرة بالبكاء والصراخ :رباه مد،ماذا فعلت ياربي… .ولما كل هذا…؟؟
لم يكن أحمد واعياً على ما جرى ليلة أمس وكيف أشبعها ضربا لأنه كان في سهرة الأمس وهو يشرب الخمر
عاد في اليوم التالي أحمد فوجد سميرة تلملم ما بقي لها وتجمع ثيابها في حقائب معلنةً الرحيل
-إلى أين يا حبيبتي
-حبيبتك …هه لا أظن أبداً أنا هي !!!
-ساعة غضبٍ يا زوجتي ولعن الله الشيطان
-لا أظنها ساعة إنه عمر ٌ من الغضب ..حان وقت الرحيل وانتهى وقت الصمت،ثم جاءت ليلاس مسرعة وهي تقول أمي:هاهي ثيابي ضعيها في الحقيبة ،إن رحلتي الآن فلماذا حياتي هنا ؟؟
-حتى أنتي يا ليلاس ستتركينني يا ابنتي
-ماذا قلت ابنتي ..منذ زمن طويل لم اسمع تلك الكلمة الآن اعترفت أن لديك ابنة الحمد لله…لكنك متأخرٌ جداً
-أبقي معي يا حبيبتي وسأعوضكِ إن شاء الله
-ابقى هنا …لا وألف لا …أراكَ تهين أمي بعدما كانت لك كل شيء،إذا أمي ستظل صامتة أنا لن أصمت ولم أعد صغيرة ،كما كنت تظن ،كبرت على حب أمي وحضن أمي ،لكن أنت قد أسكنت في قلبي الخوف والرعب الذي كان يساورني عندما تأتي إلى البيت وأنت مطفي من شرب ِ الخمر …نعم كنت أعي ذلك تماما ً عندماكنت تضرب أمي ضرباً مبرحاً…..،كم تمنيت الاقتراب منكَ واللعب في حضنك كما كانت أختي الصغرى ..لكن كنت تطردني وتفضلها عني ،كم كنت أشتهي أن أسمعك تقول لي يا ابنتي وتضمني بين ذراعيك ..لكن كنتُ دائما أخاف من وجهك المظلم والشاحب..،ماذا اتذكر يا أبتي؟؟ولماذا سأبقى هنا معك فحضن أمي يعادلك ويعادل الدنيا …
ثم اقتربت ليلاس من أمها الذي اغرورقت عيناها بالدموع وقالت:فلتنهضي يا أمي..كفاكِ حزناً ….هيا لنعود إلى حضن الوطن ..الحضن الدافئ الذي سيرعاني أنا وانتِ….لا تقلقي لن اتخلى عنكِ فأنتِ لن تتخلي يوما عني وسأكون عيناك ِ وقدماكِ….والآن ارتاحي يا أمي وارمِ حمالك ِ عليَّ فأنا سأحملكِ على
راحتيَّ ونعود إلى وطننا ..كفانا الضياع في دروبٍ مظلمة…