” مغلق ” يفتح باب الأسئلة والإحتمالات

” مغلق ” يفتح باب الأسئلة والإحتمالات
عبدالكريم العفيدلي – دمشق
يبدأ الكتاب نجاحه من العنوان ، فالعناوين الإشكالية غالبا ماتزرع الفضول في ذهن القارىء وتجذبه بقوة للتوغل بالكتاب ، وذكاء الكاتب يبدأ من العنوان وفي هذا مخالفةللمثل الشعبي : ” المكتوب مبيّن من عنوانه “.
مع ” مغلق ” نثبت صحة رأينا ، فهذا العنوان الذي اختارته الكاتبة رنا العسلي لروايتها الجديدة يبقي باب الأسئلة والإحتمالات مفتوحة حول ماهيته والمراد من توظيفه .لقد استطاعت الكاتبة أن تطبع هذا العنوان بذاكرة القارىء وتقوده إلى مضمون الرواية المتوازنة نفسياً رغم أنها ولدت في ظروف غير طبيعة ومن المفروض وبحكم هذه الظروف أن تكون مظطربة السياق ،لكن هو ذكاء يحسب للكاتبة ويدلل على مستوى ثقافتها ووعيها وتوازنها ..
لقد جاءت الرواية بأسلوب سهل ممتنع بسردية واقعية أضفت عليها شيئا من الفنية الغير مبالغ بها ، ولا تخلو من اللغة الشاعرية والكاتبة هي شاعرة أصلاً ..
ولو أردنا تقطيع بعض الصفحات لنجد أننا أمام قصائد حداثية ونثرية تكتنز من الجمال الحسي والتكثيف والموسيقى الشيء الكثير ..وهذه لغة تحسب أيضا للكاتبة التي استطاعت دمج الأجناس الأدبية تحت مظلة الرواية وكأنها تعيدنا إلى مرحلة الصراع بين الرواية والشعر وتميل بهذا لما حاول البعض إثباته بأن عصر الشعر انتهى وأن الرواية هي ديوان العرب ..
لقد سلطت الكاتبة من خلال الرواية الضوء على عدة سلبيات تكون نتيجة طبيعية – غالبا – لأي حرب ، لقد قدمت من خلال ” سالم ” و ” وردة ” التضاد من موت وحياة وفرح وحزن من أبيض وأسود .. ومن خلال الصديقين ” مريم ” و ” وعد” قدمت لنا الطريق عندما تكون الصداقة صادقة تهدينا إليه ، أما من خلال الوالدين لسالم ووردة قدمت نموذجين مختلفين واقعيين من المدينة والريف فوالد وردة الساقط أخلاقيا كان قبل الحرب يدخل على ابنته الزبائن برضا لاستغلالها جنسيا ، أما والد سالم الذي اتكىء على امرأة ،وتصنع الرجولة والتمسك بالعادات والتقاليد حفاظا على هيبته كان واضحا من خلال فشل سالم بالتعامل مع وردة في البداية نتيجة الكبت والحرمان والقيد .
الكاتبة التي تستند إلى خلفية فلسفية تعمدت عكس دراستها الجامعية واختصاص علم النفس تحديدا في رواياتها ومنها هذه الرواية ” مغلق ” ، وكأن قصص علم النفس والتربية تستهويها لحد بعيد ولا ننكر ما لأسرتها ولأمها تحديدا ومازرعته بداخلها من دور في هذه الأعمال والنتاجات المثقفة . ولذلك جاء الإهداء لأمها وكأنها تقول لها شكرا لأنك جعلت مني إنسانة واعية مختلفة . تقول بالإهداء لأمها : ” يدها تلك التي وضعتني اول درجات الكتابة ،حبها ذاك الذي جعلني واثقة من خطواتي معتدة بنفسي ، لها وللحب والأمان ولعبارة ” لسه الدنيا بخير ” ، أهدي حروفي … ”
تتماهى الكاتبة مع شخصيات الرواية لحد بعيد وكأن الأحداث أمامها أشبه ماتكون بفيلم سينمائي ،فهي من خلال الشخصيات تقدم شيء من روحها بالحزن والفرح وتعيش الأمومة والحب وكل مايمر بين هذه المفاهيم والمشاعر .
حاولت الكاتبة من خلال رواية ” مغلق ” أن لا نجعل الإنهزامية تتمكن من أنفسنا وأن لا ننغلق على أنفسنا ، وأن لانجعل الإحباط والفشل في أي مفصل من مفاصل الحياة أن يعيق تقدمنا فأن تفشل بتحصيل العلم هذا ليس نهاية الطريق فالحب طريق مفتوح للنجاح وكل عمل بالحياة له قيمته وهذا ماظهر جليا بالنهاية السعيدة للراوية والغير متوقعة، وكأن الكاتبة أرادت أن تقول لنا لاتظلموا الجهة القاتمة و ” وردة ” كانت جهة قاتمة بالرواية .
انتهت الرواية رغم كل الأحداث المتضادة وماتخللها من حزن وألم إلى انتصار الحب من خلال زواج البطلين وولادة طفل لهما وتحول سالم الى كاتب ،وكأنها تقول لنا بالحب .. فقط بالحب .. سننتصر .
على الغلاف الثاني للراوية كتبت رنا : ” قد يغلق القلب قبل الأبواب ، وتموت التفاصيل ،وننسى للحظة من نحن ،من كنا من سنكون !!! ..
مغلق” رواية مهمة تقوم على بناء فني متماسك، أضاءت على المتضادات بأسلوب مغري مؤثر وعفوي لحد بعيد ،فأتت أقرب للصدق والواقعية ، وقد تكون رنا العسلي من خلال هذه الرواية استطاعت أن تأتي بالمختلف عن كل ماسبقها من نتاجاتها الروائية والنثرية والشعرية ، وقد استطاعت من خلال ماقدمته للمكتبة العربية أن تحجز لنفسها مقعدا متقدما بالمشهد الثقافي السوري والعربي ، أدعوا للقراءة والتوغل ب” ر ن ا ” .