نبيل أبوالياسين: صراع السيادات المواجهة المصرية-البريطانية تعيد تعريف قواعد اللعبة الدبلوماسية

نبيل أبوالياسين: صراع السيادات المواجهة المصرية-البريطانية تعيد تعريف قواعد اللعبة الدبلوماسية
تتصاعد حدة التوتر الدبلوماسي بين مصر والمملكة المتحدة، في مشهد يعكس أبعاداً أعمق من مجرد خلاف عابر. ففي الوقت الذي تتعرض فيه السفارات المصرية في الخارج، خاصة في لندن، لمضايقات واحتجاجات منظمة، تجد القاهرة نفسها في مواجهة ما تعتبره تقصيراً بريطانياً في حماية بعثاتها الدبلوماسية. هذا الموقف دفع بمسؤولين ونواب وإعلاميين مصريين إلى المطالبة بتحرك حازم، مؤكدين أن سيادة بلادهم وكرامتها ليست محلاً للمساومة. إنها لحظة فارقة قد ترسم ملامح جديدة في العلاقات بين البلدين، وتضع مبدأ “المعاملة بالمثل” على طاولة الاختبار، فهل تنجح الدبلوماسية في تجاوز هذا المنعطف الحرج أم أن الأزمة ستتخذ أبعادًا أخرى؟
حماية السفارات: اختبار لمبدأ “المعاملة بالمثل”
في رد فعل قوي على ما اعتبره تقصيراً بريطانياً في تأمين السفارة المصرية في لندن، تحركت الأصوات المصرية المطالبة بتطبيق مبدأ “المعاملة بالمثل”. دعا برلمانيون وإعلاميون إلى إزالة الحواجز الخرسانية التي تحيط بالسفارتين البريطانية والأميركية في حي غاردن سيتي بالقاهرة، والتي تعطل حركة المواطنين وتفرض واقعاً مشوهاً على المنطقة. هذا الموقف، الذي يتبناه حزب “الجبهة الوطنية” وغيره، يرسخ مبدأ “لن نحمي من لا يحمينا”، ويؤكد أن الأمن الممنوح للبعثات الدبلوماسية يجب أن يكون متبادلاً. ورغم إطلاق سراح الشابين المصريين اللذين أوقفا في لندن، إلا أن الحادثة كشفت عن غضب شعبي ورسمي متصاعد تجاه ما تعتبره القاهرة معايير مزدوجة من قبل بريطانيا.
تحركات دبلوماسية وتباين في المواقف
لم يقتصر الأمر على ردود الفعل الإعلامية والبرلمانية، بل شهدت الأزمة تحركاً دبلوماسياً مباشراً، حيث أجرى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، اتصالاً بمستشار الأمن القومي البريطاني، جوناثان باول، طالباً توضيحات حول ملابسات توقيف الشباب المصري. وفي الوقت الذي اعتبر فيه بعض الخبراء، مثل السفير رخا أحمد حسن، أن رد الفعل المصري يجب أن يكون قوياً، يرى آخرون أن إزالة الحواجز الأمنية قد تشكل خطراً على الأمن القومي. ومع ذلك، فإن الإجماع على ضرورة اتخاذ موقف حازم يكشف عن استياء عميق من تعامل بريطانيا مع الاحتجاجات التي تستهدف السفارات المصرية، والتي يُزعم أن جماعة “الإخوان” تقف وراءها.
لندن تتراجع.. وحذر يلوح في الأفق
جاء الرد البريطاني سريعاً وحاسماً، بعدما قامت السلطات المصرية بإزالة الحواجز الأمنية المحيطة بسفارتها في القاهرة. أعلنت السفارة البريطانية عن إغلاق مبناها الرئيسي بشكل مؤقت، مؤكدة أنها ستقوم بمراجعة تأثير هذه التغييرات على أمنها. هذا الإجراء، الذي لم يكن متوقعاً بهذا الحجم، أرسل رسالة واضحة إلى القاهرة بأنه لن يتم التهاون مع أي تقويض لأمن بعثاتها. كما دعت السفارة رعاياها إلى توخي الحذر في مصر بسبب ما وصفته بـ”المخاطر والاضطرابات” المحتملة. هذا التطور الميداني يعكس تصعيداً ملموساً في الأزمة، ويؤكد أن المواجهة بين البلدين قد خرجت من إطار الدبلوماسية الهادئة لتأخذ شكلاً أكثر حدة وتأثيراً.
ما وراء الأزمة: تحول في موازين القوى وصراع على الشرعية
وراء هذه الأزمة العابرة، تكمن معركة أعمق على الشرعية الإقليمية والدولية. فبينما تسعى مصر لترسيخ دورها كقاعدة إقليمية مستقلة وقوية، تحاول بريطانيا الحفاظ على نفوذها التقليدي في المنطقة. هذه المواجهة ليست مجرد نزاع على حماية السفارات، بل هي اختبار لإرادة القاهرة في تحدي المعايير المزدوجة للدول الغربية، وإعادة تعريف علاقة الشرق بالغرب في حقبة ما بعد الاستعمار. السؤال الذي تطرحه هذه الأزمة: هل نشهد تحولاً في موازين القوى الدبلوماسية حيث لم تعد الدول النامية تقبل بمعايير مختلفة للسيادة والكرامة الوطنية؟.
نقطة تحول في العلاقات الدولية
إن ما يحدث بين مصر وبريطانيا ليس مجرد خلاف عابر، بل هو انعكاس لتحولات عميقة في مفهوم السيادة والعلاقات الدولية. فبينما تتصاعد أصوات الغضب من جانب، وتتخذ إجراءات عملية من جانب آخر، تبرز مسألة احترام الدول لبعضها البعض وحماية مصالحها كأولوية قصوى. إن هذا الموقف المصري الحازم، الذي يرفض المعايير المزدوجة ويطالب بالندية، يرسل رسالة واضحة إلى العالم: زمن التهاون قد ولى، وأن كرامة وسيادة الشعوب لا يمكن المساس بها. إنها لحظة مفصلية ستعيد رسم حدود التعامل الدبلوماسي، وتؤكد أن الأمن والاستقرار ليس حكراً على أحد، وأن من لا يحمي مصالح الآخرين لا يمكن أن يتوقع الحماية لنفسه. إنها نهاية الفصل القديم وبداية عهد جديد من العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل والسيادة الكاملة.