شعر و ادب

نُقطَةُ ضَعْفِ قَلبِي: أَنتَ! بقلم ميَّادة مهنَّا سليمان

الإهداء.. إلى أبي الغالي🌹

نُقطَةُ ضَعْفِ قَلبِي: أَنتَ!

في طَائِرَةِ العَودَةِ يغْزونِي الحُزنُ، فالحَربُ اللعينةُ حَدَّتْ من أسفارِنا، وتنقُّلاتِنا. وكان كلَّ وداعٍ منتهياً بعبارةِ:”الله أعلمُ متى نلتقي؟”

لكنّي رغمَ الحزنِ سعيدةٌ بالزّوّادةِ الكبيرةالتي أحملُها: فَرِئَتَايَ مملوءتانِ هواءً ياسمينيّاً منعشاً من دمشقَ الّتي كانت بدايةَ الإجازَة ونهايَتَهاالرائعة. بينمَا دقّاتُ قَلبي تصطخبُ تارةً مثلَ بحرِ طرطوسَ الجميلَ، وتارةً تهدأ وتصبحُ وادعةً كشاطِئهِ السّاحرِ.

أمّا ذاكرتي.. فكانت مُترَعَةً باللوحاتِ الطّبيعيّة الجميلة لمحافظةِ حمصَ وقُراهَا الوادعةبِجوِّهاالبارِدِ رُغمَ حرارةِ الصَّيفِ.كما كانَ في ذاكرتي صورٌ لمحافظةِ حماة “مدينةِ النّواعيرِ” وأجملُ تلكَ الصُّورِ لوادي العيون

ذاتِ الخضرةَ السّاحرة والينابيع العذبة والهواءالنَّقِيِّ والناسِ الطّيبين.
في وادي العيون.. كلّ شيءٍ يتواطَأُ ضِدَّ عينيكَ إن حاولتَ النَّومَ..وكأنَّ الطّبيعَة صَبيّةٌ حسناءَ..تُريدُ أن تبقَى العُيونُ كلُّهَا مسَمّرَةً عليها ومفتونةً بِها..

وكانت بين الفينةِ والفينةِ تخطرُ في بالي صورُ أهلي وأحبتي فأشعرُ أنّ خنجرَ الفُراقِ يوجعُ قلبيَ المُرهَفَ الذي يسألُني سؤالاً سَاذَجَاً: ألا توجَدُ لِقاءاتٌ مِن غَيرِ فُراقٍ؟

فتنهمرُ دمعَةٌ حارقَةٌ على خَدّي وأدعو الله أن يُهوِّنَ صُعوبَةَ الفِراقِ عَلَيَّ..وَصَراحَةً:
فراقُ الجميعِ في كَفّةٍ، وفراقُكَ أنتَ في كَفَّةٍ!
أنتَ يامَن تحتلّ جُغرافيّةَ قَلبي، فكلُّ مُدنِهِ وأَزِقَّتِهِ تُودي إليكَ ..

أنتَ ياذا العينينِ الجَميلَتينِ بِلونِهِمَا الغريبِ وسَحابَةِ الحُزنِ الّتي تستوطنهما في كُلّ الفُصولِ ..أنتَ ياهادِئَ الصَّوتِ..وعَذبَ الحديثِ
ياشامخَ القَامَةِ كَسِندِيانِ وادي العُيون
آهٍ..أَتَعلَمُ: أنتَ نُقطَةُ ضَعفِ قَلبي يا أبي!
والغريبُ أنّكَ سرُّ قُوَّتي ،وجَبروتي في مُواجهةِ الشّدائد، والسّعيِ لِلمجدِ والعُلا..
أنتَ يامَن حَرمكَ الزَّمانُ الطّفولةَ السّعيدة، وألعابَهَا، وثيابَ العيدِ الجديدةِ، وأراجيحَهُ..
أنتَ يامَن كُنتَ تُحاربُ العَدوَّ الصَّهيونِيَّ فتوَاطَأَ الزّمانُ ضِدَّكَ، وَدَحْرَجَ دَبّابَتَكَ مِنْ عَلٍ كما يُدَحرجُ كُرَةَ طفلٍ صَغيرٍ، فَأسكَنكَ المُستَشفى عاماً وأكثرَ..
يستغربونَ أنّي كنتُ صَغيرةً، ومازلتُ أذكرُ:
أنا مُحالٌ أن أنسى صقيعَ تلكَ الليالي في غيابكَ ياأبي.. ومحالٌ أن أنسى منظرَ تلكَ الأدويةِ المُصطَفَّةِ قربَ سريرِكَ..
أمّا ذاكَ العُكّازُ -الّذي كنتَ تستعينُ بهِ حتّى تتعافى- فَكانَ يدوسُ قلبيَ الطَرِيَّ بِقسوةٍ لن أنساها ما حييتُ.
فأرجوكَ يازمانُ..عَدّلْ كَفّةَ ميزانكِ معَ أبي!
أرجوكَ..تَمعّن في اسمهِ الجميلِ..وأعطهِ الهناءَ وراحةَ البالِ..أرجوكَ..رَبّتْ على شعراتِهِ البيضِ بلطفٍ وحنانٍ كما كانَ يُربّتُ على جديلتي الشّقراءَ في الطفولة..
أرجوكَ..لا تُنبتْ أشواكاً في دربٍ تَدوسُها قَدَمَا أبي..
آهٍ..ياأبي..أتعلمُ


كُلُّ فَوزٍ أفوزُهُ، وكُلّ شَهادةِ تكريمٍ تُمنَحُ لي لايكونُ فَرَحي بِفوزِ كلماتي، فحروفي غاليةٌ على قلبي سواءٌ فازَت أم لَمْ تَفُزْ، لكنَّ فرحي يكونُ برؤيةِ اسمكَ الجميلِ يتلألأُ كألماسَةٍ فريدةٍ،

ولهذا سأُخلّدُ اِسمَكَ ياأبي بأحرفي وإبداعاتي.. وسَأثبتُ للعالمِ أنَّ البِنتَ أيضاً تستطيعُ أن تُخَلّدَ اِسمَ أبيهَا، سَأسعَى بِجِدٍّ لأكونَ “أنا”الّتي أُريدُ لنفسي أن أكونَ
فَكُنْ بخيرٍ لأجلي، وأرجو الله أن ألتَقيكَ وأنتَ بخيرٍ وسَعادةٍ، فأرجوكَ يا اللّهُ:

اجعَل نارَ الفُراقِ بَردَاً وسلاماً على قلبِ أبي.

ميَّادة مهنَّا سليمان/ سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى