Uncategorized

الحذاء الجديد – بقلم  الأديبة : أمنية كانوني

الحذاء الجديد -بقلم  الأديبة / أمنية كانوني 

الحذاء الجديد

-بقلم  الأديبة / أمنية كانوني 

أخد الحاج علي يلبس حفيده الحذاء الجديد صبيحة يوم العيد ،يحدثه بكل رفق وهدوء ثم ضحك ضحكة عالية على غير عادته غلب عليها الدمع فانهزم لباب الذكريات… كان اليوم ممطرا حين خرج من مدرسته مسرعا

،البرق يكاد يخطف الأبصار و صوت الرعد و الرياح كان مخيفا. تملكه الرعب إلى درجة الاختناق فاختبأ تحت شجرة يراقب من بعيد حماقات رفاقه يلعبون ويسقطون متدافعين في برك المياه الراكدة. لوح عليه صديقه يوسف قائلا: لم تختبئ يا علي كالقطط؟ هز كتفيه هامسا: كل الحيوانات تعرف كيف تختبئ إلا أنا.

تنهد تنهيدة عميقة وحبس أنفاسه ثم انطلق مهرولا،يراوغ المياه بقدميه النحيفتين حتى لا يتبلل سرواله الممزق. تسللت إلى قميصه قطرات فاتجه الى باب منزل عريض للإحتماء لأن معطفه البلاستيكي لا يقدر على المقاومة. انزوى تحت سقيفة خشبية كاتما انفاسه فأصوات الأمواج كالأشباح.

تذكر حينها كلام أبيه ،لا أمان قرب البحر و قصص الفياضانات و الأعاصير التي تسببت في قتل سكان المناطق المحيطة به فارتفعت دقات قلبه الصغير و انهمر باكيا.

اختلطت دموعه بقطرات المطر و ما ان خطى خطوتين حتى انزلقت قدماه في الوحل وضاعت فردة حذائه اليسرى ،حاول جاهدا التمسك به فبدأ يهوي الى الأسفل ،صرخ عاليا و كأن الرصاص اندلع من جديد. أحس بيد تهزه إلى الأعلى وصوت دافئ يقول: لا تخف بني أنا عمك صالح حمله بين ذراعيه مسافة طويلة وهو يحكي حكايات لم يكثرت لها كثيرا فكان انشغاله الوحيد ردة فعل أمه،

مسح على رأسه عند الوصول ثم همس كلمات في أذن أمه لم يسمعها من شدة الخوف. نظر إلى عينيه قائلا: المطر يجلب الخير يا بني ثم ابتسم وانصرف تاركا الصغير حافيا مبللا يرتجف وسط البيت. أزالت أمه ملابسه بقسوة وألبسته جلبابها الصوفي في صمت رهيب فانكمش في زاويته المعهودة ينظر إليها عن كثب

،تسرع لجلب أواني المطبخ لوضعها تحت ثقوب سقف البيت، لما تجتمع القطرات تفرغها بخفة لتعيدها من جديد إلى مكانها. ظلت على هذا الحال إلى أن نام محتظنا جلباب أمه الدافئ. تغيب عن المدرسة صباح اليوم التالي فملابسه غير مجففة ،أخذ يحتسي الحساء بملعقته الخشبية وبعد سماعه للدقات المتواصلة نهض مسرعا لفتح الباب.

دهش لما راى العم صالح يحمل حذاء أسود من الجلد الممتاز و أشياء أخرى .فصاح من فرحته: اليوم يوم عيد أجابه صالح مبتسما: اليوم يوم دراسة و عمل ،لا للكسل يا بطل. بمجرد ما ألبسه الحذاء حمل محفظته وانصرف مسرعا إلى مدرسته مارا بأرقى شوارع الدار البيضاء بكل ثقة و افتخار ،يقفز و يجري بحذائه الجديد ،

إنه عجيب يستطيع أن يفعل به المستحيل حتى مياه المطر لن تقدر على تمزيقه. وبينما كان في حوار مع حذائه قبض عليه حارس ممتلكات أحد الفرنسيين امام الجميع فقال له بلكنته القروية و نبرته الحادّة : انزع هذا الحذاء أيها اللص الحقير وبدفعة واحدة حمله عاليا و طرحه أرضا ثم نزعه بعنف شديد و هو يقول : أمثالك لا تلبس هذه الأحذية . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى