Uncategorized

“” التّناصُ السٌيميائي “” بقلم / أ.د. أحلام الحسن

” التّناصُ السٌيميائي “”

بقلم / أ.د. أحلام الحسن

وهو مصطلحٌ حديثٌ يطلق عليه بالإنجليزية: Intertextuality)‏،
بمعنى تداخل جزءٍ من نصٍّ أدبيٍ قديمٍ في نصّ ٍ أدبيّ ٍ حديث، أمّا في مصطلحنا العربي فهو مصطلحٌ يستخدمه النقاد يشير إلى وجود تشابه نصّ ٍ مع نصّ ٍ آخر، وهو مصطلحٌ تدل معالمه على وجود كلماتٍ متشابهةٍ بين نصّ ٍ ونصّ ٍ آخر، وتشير ظاهرة التّناص هذه على شدة إعجاب الشاعر المتناص بقصيدةٍ قديمةٍ ما أو حديثةٍ أحدثت في نفسه تأثيرًا قويًّا يرى فيها تطابقًا مع عاطفته ومعاناته، أو مع رؤاه ، ولا يُعدّ هذا تطاولاً أو سرقة إلاّ في حالة أخذ النّصّ بالكامل أو شريحة كبيرة من النّصّ ونسبته إلى نفسه.

يقوم مصطلح التّناص السيميائي على التفاعل النفسي، والعاطفي، من قِبل الشاعر مع القصيدة المتناصة وما تضمنته من سرديات النّصّ الشعري، وبنيويته وجمالياته، كما يساهم في عملية التفكيك النّصيّ الأقدم والمزجية مع الأحدث لإيجاد وخلق نصّ ٍ قد يفوق النّصّ المقتبس منه، وهذه المهمة الأدبية لا تستقيم إلاّ بقلم شاعرٍ محترفٍ لا تقل أدبياته عن أدبيات الشاعر صاحب القصيدة القديمة المتناصّة، وعملية التفاعل مع النصوص الأخرى كانت من مئات السنين ولولا هذا التفاعل وهذا الاقتباس وهذا التأثر النفسي لما كانت هناك إبداعاتٌ أدبية، ولماتت الأقلام الأدبية وجفّت أحبارها.

ثمّة خلطٍ بالمجتمع بين مفردتين متضادتين أدت إحداهما إلى الكثير من الإلتباس وهما مصطلح التّناص، ومصطلح التّلاص، فالتّناص يحدث نتيجة كثرة القراءة وكثرة الإطلاع على أشعار الشعراء ؛ وتبني قوائمه الأدبية على تمجيد الشعراء القدامى، وأشعارهم، وإحياء تراثهم من خلال التناص والمعارضات الشعرية التي لا تخلو عادةً من بعض مفردات القصيدة المتناصة يعمد إليها الشاعر الحديث لا لعجزٍ منه بل لتأكيد تخليد حرف الشاعر القديم، أمّا التّلاص فيرجع في معناه إلى اللصوصية والسرقة وهو مغايرٌ تمامًا لمصطلح التّناص الذي تقوم عليه العديد من المعارضات الشعرية القوية وفنّ المحاكاة والإقتباس الشعرية، فالنّصّ الأدبي وليد النّصّ، والحرف الأدبي الجديد إبن الحرف الأدبي القديم، ومدارس من سبقنا نتعلم منها كما هم تعلموا ممن سبقهم، والأجيال القادمة تتعلم منّا، وكلما وُلد جيلٌ أدبيٌّ جديدٌ أعطى إبداعاته وتجديداته الأدبية للمجتمع.

أنواع التّناص في الشعر العمودي الموزون:

1- تناص التضمين:

وهو المطابقة اللفظية لبيتٍ بالقصيدة أو شطرٍ منها، وهنا على الشاعر أن يضعه بين قوسين ويشير في الهامش لصاحب البيت.

2- التناص الجزئي:

وفيه يُقدم الشاعر على استعارة جزءٍ بسيطٍ من البيت الشعري القديم يرى فيه الشاعر تميّزًا لا بديل لسواه من الكلمات ومن الممكن جدًا أن يكون هذا التناص من القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية أو الشعر أو اﻷمثلة.
ويشترط ذكر مصدر الفقرة المتناصة المشتقة من النّصّ المتناص منه إذا كانت جملًا أو بيتًا أو شطرًا ولا داعي للذكر إذا مادون الجملة المفيدة فلا أحد يمتلك الضّاد، ولا يعدّ في هذه الحالة تناصًا.

3- تناص تشابه معاني الألفاظ:

وهو تشابه محتوى البيت الشعري الحديث والقديم والمقفى بذات القافية مع اختلاف كلمات الحشو.

تداخلات النّصوص المحوّلة والمترجمة واللصلصة:

إنّ ظهور الترجمات ساهم كثيرًا في عمليات اللصلصة في الغير مماثل باللفظ والمماثل بالمعنى بالقصائد النثرية بالتحديد، والقصص والروايات والومضات، تكرر الأمر في عدة صيغٍ وتحوّل إلى عملية لصلصةٍ بعيدة عن مصطلح التناص تمامًا ينسبها اللصّ إلى نفسه وقد يطبعها كتبًا له !

من خلال تحويل نصّ ٍ أدبيٍ أجنبيّ ٍ إلى عربيّ أو العكس، أوتحويل نصّ ٍ فصيحٍ إلى اللهجة العامية ! حيث ينسب السارق النّصّ لنفسه ولقلمه !!

نعم لقد قامت الثقافات العالمية على بعض التناص للإستفادة والخبرة من الماضين، ولا أحد يمكنه نكران ذلك، لكن يبقى الكاتب الجديد له مكنته الأدبية التي تمثل شخصيته وتوجهاته الأدبية ونوعية كتاباته، ولا يعد هذا التناص من السرقات الأدبية طالما أنه لم يصل لمرحلة الإقتصاص واللصلصة وقتل النّص القديم، ومن المهم الاقتصار فقط على الأفكار الواردة في النصوص السابقة، كالأفكار النصية الوطنية ،والعاطفية ،والإجتماعية، وتقف فقط عند هذا الحدّ ولاتجاوز ذلك مطلقا، بل يستخدم الكاتب والشاعر الجديد موهبته وقدرته الأدبية في صناعة وصياغة مفرداته من خلال الترابط الفكري، ومعاير السبك والمهارات اللغوية والنّحويّة والتلغيز والترميز والتورية والخيال والواقعية ليكون في قصائده وشعره ومفرداته هو وليس سواه، ولا يُعد مطلقًا استخدام ذات البحر أو ذات القافية أو ذات الحرف الرّوي من اللصلصة ” السرقة ” ، بل هذا علمٌ متعارفٌ عليه لا يختصّ بملكية فردٍ بعينه، وللجميع الحقّ في تعلّمه واستخدامه، فالعلم اكتسابٌ والشعر من أقوى العلوم البشرية وأقدمها تأثيرًا بالإنسان.
ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء
الحقوق محفوظة
المصدر/ كتاب السبيل إلى بحور الخليل” كيف أعدّ نفسي لكتابة الشعر” أ.د. أحلام الحسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى